نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم ، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : تسبحون ، وتكبرون ، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ، قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فقالوا : سمع إخواننا من أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» (١) وقيل : إنه انقياد الناس إلى تصديق النبي صلىاللهعليهوسلم ، ودخولهم في دينه ونصرته (وَاللهُ) الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلما (ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.)
ولما ترك اليهود العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ضرب الله تعالى لهم مثلا بقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) أي : كلفوا وألزموا حمل الكتاب الذي آتاه الله تعالى لبني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة والسلام ، بأن علمهم إياها سبحانه وكلفهم حفظ ألفاظها عن التغيير والنسيان ومعانيها عن التحريف والتلبيس ، وحدودها وأحكامها عن الإهمال والتضييع (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) أي : بأن حملوا ألفاظها ولم يعملوا بما فيها من الوصية باتباع عيسى عليه الصلاة والسلام إذا جاءهم ، ثم بمحمد صلىاللهعليهوسلم إذا جاء فهي ضارة لهم بشهادتها عليهم فإذا لهم النار من غير نفع أصلا (كَمَثَلِ) أي : مثلهم مثل (الْحِمارِ) أي : الذي هو أبلد الحيوان فهو مثل في الغباوة حال كونه (يَحْمِلُ أَسْفاراً) أي : كتبا كبارا من كتب العلم جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير المسفر عما فيه ، في عدم الانتفاع بها لأنه يمشي ولا يدري منها إلا ما يضر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ومثل ذلك قول الشاعر (٢) :
زوامل للأسفار لا علم عندهم |
|
بجيدها إلا كعلم الأباعر |
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا |
|
بأحماله أو راح ما في الغرائر |
من إنشاد الشيخ ابن الخباز. (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) أي : الذين لهم قوة شديدة على محاولة ما يريدون (الَّذِينَ كَذَّبُوا) أي : محمدا على علم (بِآياتِ اللهِ) أي : دلالات الملك الأعظم على رسوله ، ولا سيما محمد صلىاللهعليهوسلم والمخصوص بالذم محذوف تقديره : هذا المثل (وَاللهُ) أي : الذي له جميع صفات الكمال (لا يَهْدِي الْقَوْمَ) أي : لا يخلق الهداية في قلوب الذين تعمدوا الزيغ (الظَّالِمِينَ) أي : الذين تعمدوا الظلم بمنابذة الهدى الذي هو البيان ، الذي لم يدع لبسا حتى صار الظلم لهم صفة راسخة.
ولما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه نزل قوله تعالى : (قُلْ) أي : يا أشرف الرسل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) أي : تدينوا باليهودية (إِنْ زَعَمْتُمْ) أي : قلتم قولا هو معرض للتكذيب ، ولذلك أكذبتموه (أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) أي : الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه خصكم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٥٥ ، والدعوات باب ١٧ ، ومسلم في المساجد حديث ١٤٢ ، والزكاة حديث ٥٣ ، وأبو داود في الوتر باب ٢٤ ، ابن ماجه في الإقامة باب ٣٢ ، والدارمي في الصلاة باب ٩٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٨ ، ٥ / ١٦٧ ، ١٦٨.
(٢) البيتان من الطويل ، وهما لمروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة في ديوانه ص ٥٨ ، ولسان العرب (زمل) ، وتاج العروس (زمل).