والخسف والمسخ ، وسائر المصائب ، وحاسبناها حسابا شديدا في الآخرة. وقرأ نافع وابن ذكوان وشعبه بضم الكاف ، والباقون بسكونها.
(فَذاقَتْ) أي : فتسبب عن ذلك أنها ذاقت (وَبالَ) أي : عقوبة (أَمْرِها) أي : كفرها.
(وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي : في الدنيا بالأسر وضرب الجزية ، وغير ذلك ، وفي الآخرة بعذاب النار ، فإن من زرع الشوك كما قال القشيري لا يجني الورد ، ومن أضاع حق الله تعالى لا يطاع في حظ نفسه ، ومن احترف بمخالفة أمر الله تعالى فليصبر على عقوبته.
ثم استأنف الجواب عمن يقول هل لها غير هذا في غير هذه الدار بقوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ) أي : الملك الأعظم (لَهُمْ) بعد الموت وبعد البعث (عَذاباً شَدِيداً) وفي ذلك تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها (فَاتَّقُوا اللهَ) أي : الذي له الأمر كله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي : يا أصحاب العقول الصافية النافذة من الظواهر إلى البواطن ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) منصوب بإضمار أعني بيانا للمنادى في قوله تعالى : (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أو يكون عطف بيان للمنادى أو نعتا له ، أي : خلصوا من دائرة الشرك وأوجدوا الإيمان حقيقة (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ) أي : الذي له صفات الكمال (إِلَيْكُمْ ذِكْراً) هو القرآن ، وفي نصب (رَسُولاً) أوجه :
أحدها : قال الزجاج والفارسي : إنه منصوب بالمصدر المنون قبله ، لأنه ينحل لحرف مصدري وفعل ، كأنه قيل : أن ذكر رسولا ، ويكون ذكره الرسول قوله : محمد رسول الله ، والمصدر المنون عامل كقوله تعالى (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً) [البلد : ١٤ ـ ١٥].
الثاني : جعل نفس الذكر مبالغة فأبدل منه ، ويكون محمولا على المعنى كأنه قال : قد أظهر لكم ذكرا رسولا ، فيكون من باب بدل الشيء من الشيء ، وهو هو.
الثالث : أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول تقديره : أنزل ذا ذكر رسولا.
الرابع : أنه بدل منه على حذف مضاف من الثاني أي : ذكرا ذكر رسول.
الخامس : أنه منصوب بفعل مقدر ، أي : وأرسل رسولا (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) هي دلائل الملك الأعظم الظاهرة جدا حال كونها (مُبَيِّناتٍ) أي : لا لبس فيها بوجه. واختلف الناس في رسولا هل هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو جبريل؟ الأكثر على الأول واقتصر عليه الجلال المحلي ، واقتصر الزمخشري على الثاني ، وهو قول الكلبي. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسر الياء بعد الموحدة ، والباقون بالفتح (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقروا بالشهادتين (وَعَمِلُوا) تصديقا لما قالوه بألسنتهم وتحقيقا لأنه من قلوبهم (الصَّالِحاتِ) أي : ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح ، أو ليخرج من علم أو قدر أنه مؤمن (مِنَ الظُّلُماتِ) أي : الضلالة (إِلَى النُّورِ) أي : الهدى.
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي : يجدد في كل وقت على الدوام الإيمان بالملك الأعلى بأن لا يزال في ترق في معارج معارفه (وَيَعْمَلْ) على التجديد المستمر (صالِحاً) لله وفي الله فله دوام النعماء ، وهو معنى إدخاله الجنة كما قال تعالى : (يُدْخِلْهُ) أي : عاجلا مجازا بما يفتح الله له من لذات المعارف ويفتح له من الأنس ، وآجلا حقيقة (جَنَّاتٍ) أي : بساتين هي في غاية ما يكون من جمع جميع الأشجار وحسن الدار وبين دوام ريها بقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : من تحت غرفها (الْأَنْهارُ) فهي في غاية الري بحيث أن ساكنها يجري في أي موضع أراد نهرا.