المزني : كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن وعلى ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ الله أبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا : اللهم لا فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى هذه الآية (١) وعن ابن عباس أظهر الله المسلمين عليهم بالحجارة حتى أدخلوهم البيوت وقيل : إن ذلك كان يوم فتح مكة وبه استشهد أبو حنيفة على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحا (وَكانَ اللهُ) أي : المحيط بالجلال والإكرام أزلا وأبدا وقرأ بما يعملون أبو عمرو : بالياء التحتية أي الكفار. والباقون بالتاء الفوقية ، أي : أنتم (بَصِيراً) أي : محيط العلم ببواطن ذلك كما هو محيط بظواهره.
ولما كان ما مضى من وصف الكفار يشمل كفار مكة وغيرهم عينهم بسبب كفهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين عن البيت الحرام. بقوله تعالى : (هُمُ) أي : أهل مكة ومن لاقهم (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أوغلوا في هذا الوصف ببواطنهم وظواهرهم (وَصَدُّوكُمْ) زيادة على كفرهم في عمرة الحديبية (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : منعوكم الوصول إلى مكة ونفس المسجد والكعبة للإحلال مما أنتم فيه من شعائر الإحرام بالعمرة.
روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم كل منهما يصدق حديث صاحبه قالا : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه سبعين بدنة والناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة يخبره عن قريش فسار النبي صلىاللهعليهوسلم حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عتبة الخزاعي. وقال : إنّ قريشا قد جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت الحرام.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أشيروا عليّ أيها الناس أترون أني أميل على ذراري هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجوا تكن عنقا قطعها الله أو ترون نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله إنما جئت عامدا لهذا البيت لا نريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفروا قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم إنّ خالدا بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بغبرة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته. قال الناس : حل حل فألحت فقالوا : خلأت أي حرنت القصواء.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت. قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل من الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم تلبث الناس أن نزحوه وشكا الناس إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم العطش فنزع سهما من
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٨٧.