الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب (حُسُوماً) قال مجاهد وقتادة رضي الله عنهما : متتابعة ليس فيها قترة ، فعلى هذا هو من حسم الكي ، وهو أن يتابع على موضع الداء المكواة حتى يبرأ ، ثم قيل لكل شيء يقطع : حاسم وجمعه حسوم مثل شاهد وشهود. وقال الكلبي : حسوما دائما ، وقال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم ، والحسم القطع والمنع ومنه : حسم الداء ، وقال عطية : حسوما شؤما كأنها حسمت الخير عن أهلها.
تنبيه : في إعراب حسوما أوجه : أحدها : أن ينتصب نعتا لما قبله. ثانيها : أن ينتصب على الحال ، أي : ذات حسوم. ثالثها : أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظها ، أي : تحسمهم حسوما.
واختلفوا في أولها فقال السدي : غداة يوم الأحد ، وقال الربيع بن أنس رضي الله عنه : غداة يوم الجمعة ، وقال يحيى بن سلام ووهب بن منبه رضي الله عنهم : غداة يوم الأربعاء وهو اليوم النحس المستمر قيل : كان آخر أربعاء في السنة وآخرها يوم الأربعاء. وقال البقاعي : وهي من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال غروب الأربعاء الآخر وهو آخر الشهر وقد لزم من زيادة عدد الأيام أن الابتداء كان بها قطعا وإلا لم تكن الليالي سبعا فتأمل ذلك ا. ه. وهو ظاهر.
ولما كان الحاسم المهلك تسبب عنه قوله تعالى مصورا لحالهم الماضية : (فَتَرَى الْقَوْمَ) أي : الذين هم غاية في القدرة على ما يحاولونه (فِيها) أي : تلك المدة من الأيام والليالي لم يتأخر أحد منهم عنهم (صَرْعى) أي : مجندلين على الأرض موتى جمع صريع وهي حال نحو قتيل وقتلى وجريح وجرحى ، والضمير فيها للأيام والليالي كما مر أو للبيوت أو للريح قال ابن عادل : والأول أظهر لقربه.
(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أي : أصول (نَخْلٍ) قد شاخت وهرمت فهي في غاية العجز (خاوِيَةٍ) أي : متأكلة الأجواف ساقطة من خوى النجم إذا سقط للغروب ، ومن خوى المنزل إذا خلا من قطّانه. قالوا : كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم ، والوصف بذلك لعظم أجسامهم وتقطيع الريح لهم وقطعها لرؤوسهم وخلوهم من الحياة وتسويدها لهم.
(فَهَلْ تَرى) أي : أيها المخاطب الخبير بالناس في جميع الأقطار (لَهُمْ) أي : خصوصا. وأغرق في النفي وعبر بالمصدر الملحق بالهاء مبالغة فقال تعالى : (مِنْ باقِيَةٍ) فيكون المراد بالباقية البقاء كالطاغية بمعنى الطغيان ، أي : من باق ، والأحسن أن تكون صفة لفرقة أو لطائفة أو نفس أو بقية أو نحو ذلك. وقيل : فاعلة بمعنى المصدر كالعافية والباقية. قال المفسرون : والمعنى هل ترى لهم أحدا باقيا ، قال ابن جريج : كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله تعالى من الريح ، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر ، فذلك قوله تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ.) وقوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [الأحقاف : ٢٥]. ونجى الله تعالى صالحا عليهالسلام ومن آمن به من بين ثمود ولم تضرّهم الصاعقة ، وهودا عليهالسلام ومن آمن به من عاد ولم يهلك منهم أحد ، فدل ذلك دلالة واضحة على أن له تعالى تمام العلم بالجزئيات ، كما أن له تمام الإحاطة بالكليات وعلى قدرته واختياره وحكمته ، فلا يجعل المسلم كالمجرم ولا المسيء كالمحسن ، وجواب هل لم يبق منهم أحد.
(وَجاءَ فِرْعَوْنُ) أي : الذي ملكناه طائفة من الأرض وتجبر وادعى الإلهية ناسيا نعمتنا