٢٤] وغلب استعمال الجارية في السفينة كقولهم في بعض الألغاز (١) :
رأيت جارية في بطن جارية |
|
في بطنها رجل في بطنها جمل |
ونوح عليهالسلام أول من صنع السفينة ، وإنما صنعها بوحي من الله تعالى وبحفظه له قال : اجعلها كهيئة صدر الطائر ليكون ما يجري في الماء مقاربا لما يجري في الهواء وأغرقنا سوى من كان في تلك السفينة من جميع أهل الأرض من آدمي وغيره (لِنَجْعَلَها) أي : هذه الفعلة العظيمة وهي إنجاء المؤمنين بحيث لا يهلك منهم بهذا العذاب أحد ، وإهلاك الكافرين بحيث لا يشذ منهم أحد ، وكذا السفينة التي حملنا فيها نوحا عليهالسلام ومن معه (لَكُمْ) أيها الناس (تَذْكِرَةً) أي : عبرة ودلالة على قدرته تعالى وعظمته ورحمته وقهره فيقودكم ذلك إليه وتقبلوا بقلوبكم عليه.
وقوله تعالى : (وَتَعِيَها) عطف منصوب على لنجعلها ، أي : ولتحفظ قصة السفينة وغيرها مما تقدم حفظا ثابتا مستقرا كأنه محوي في وعاء (أُذُنٌ) أي : عظيمة النفع (واعِيَةٌ) أي : من شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال الإلهية والأسرار الربانية لنفع عباد الله تعالى كما كان نوح عليهالسلام ومن معه وهم قليل سببا لإدامة النسل والبركة فيه حتى امتلأت منه الأرض ، والوعي : الحفظ في النفس ، والإيعاء : الحفظ في الوعاء.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل : أذن واعية على التوحيد والتنكير؟ قلت : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت عقلت عن الله تعالى فهو السواد الأعظم عند الله ، وأن ما سواها لا يبالى بهم بالة وإن ملؤوا ما بين الخافقين ا. ه. وقرأ نافع بسكون الذال والباقون بضمها.
ولما ذكر تعالى القيامة وهول أمرها بالتعبير بالحاقة وغيرها شرع سبحانه وتعالى في تفاصيل أحوالها وبدأ بذكر مقدماتها بقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ) وبنى الفعل للمجهول دلالة على هوان ذلك عليه وأن ما يتأثر عنه لا يتوقف على نافخ معين بل من أقامه لذلك من جنده تأثر عنه ما يريده (فِي الصُّورِ) أي : القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام. قال البقاعي : كأنه عبر عنه به دون القرن مثلا ؛ لأنه يتأثر عنه تارة إعدام الصورة ، وتارة إيجادها وردها إلى أشكالها وسعته كما بين السماء والأرض (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) للفصل بين الخلائق.
قال الزمخشري : فإن قلت : هما نفختان ، فلم قيل : واحدة؟ قلت : معناه أنها لا تثنى في وقتها. ثم قال : فإن قلت : فأي النفختين هي؟ قلت : الأولى لأن عندها فساد العالم ، وهكذا الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد روي عنه أنها الثانية ا. ه.
قال البقاعي : وظاهر السياق أنها الثانية التي بها البعث وخراب ما ذكر بعد قيامهم أنسب لأنه أهيب وكونها الثانية إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ا. ه. واقتصر البيضاوي على أنها الأولى والجلال المحلي على أنها الثانية وهو الأنسب كما قاله البقاعي.
ثم إن الزمخشري سأل سؤالا على أنها النفخة الأولى بقوله : فإن قلت : أما قال بعد : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) والعرض إنما هو عند النفخة الثانية ، قلت : جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان ، والصعقة والنشور والوقوف للحساب ، فلذلك قيل : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) كما تقول : جئتك
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.