وجمع عزة جمع سلامة شذوذا.
وقيل : كان المستهزؤون خمسة أرهط روي أنّ المشركين كانوا يجتمعون حول النبيّ صلىاللهعليهوسلم يستمعون كلامه ويستهزؤون به ويكذبونه ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فندخلها قبلهم ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله عز من قائل : (أَيَطْمَعُ) أي : هؤلاء البعداء البغضاء ، وعبر بالطمع إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في السفه لكونهم طلبوا أعز الأشياء من غير سبب تعاطوه له.
ولما كان إتيانهم على هيئة التفرق من غير انتظار جماعة لجماعة قال تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) أي : على انفراده (أَنْ يُدْخَلَ) أي : وهو كافر من غير إيمان يزكيه كما يدخل المسلم ، فيستوي المسيء والمحسن (جَنَّةَ نَعِيمٍ) أي : لا شيء فيها غير النعيم.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع لهم عن طمعهم ودخولهم الجنة ، أي : لا يكون ما طمعوا فيه أصلا ؛ لأنّ ذلك ثمن فارغ لا سبب له بما دل عليه التعبير بالطمع دون الرجاء. ثم علل ذلك بقوله تعالى : (أَنَّا خَلَقْناهُ) أي : بالقدرة التي لا يقدر أحد أن يقاومها (مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي : أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة كما خلق سائر جنسهم ، فليس لهم فضل يستوجبون به الجنة ، وإنما تستوجب بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى. وقيل : كانوا يستهزؤون بفقراء المسلمين ويتكبرون عليهم فقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي : من القذر وهو منصبهم الذي لا منصب أوضع منه ولذلك أبهم وأخفى إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره ، فلا يليق بهم هذا التكبر ويدعون التقدم ويقولون : ندخل الجنة قبلهم.
قال قتادة في هذه الآية : إنما خلقت يا ابن آدم من قذر ، فاتّق الله. وروي أنّ مطرّف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز ، فقال له : يا عبد الله ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى؟ فقال له : أتعرفني؟ قال : نعم ، أوّلك نطفة مزرة وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة فمضى المهلب وترك مشيته.
فائدة : قال ابن عربي في «الفتوحات» : خلق الله الناس على أربعة أقسام : قسم لا من ذكر ولا من أنثى وهو آدم عليهالسلام ، وقسم من ذكر فقط وهو حوّاء ، وقسم من أنثى فقط وهو عيسى عليهالسلام ، وقسم من ذكر وأنثى وهو بقية الناس.
(فَلا) زيدت فيه لا (أُقْسِمُ بِرَبِ) أي : سيد ومبدع ومدبر (الْمَشارِقِ) أي : التي تشرق الشمس والقمر والكواكب السيارة ، كل يوم في موضع منها على المنهاج الذي دبره والطريق والقانون الذي أتقنه وسخره ستة أشهر صاعدة وستة أشهر هابطة (وَالْمَغارِبِ) كذلك وهي التي ينشأ عنها الليل والنهار والفصول الأربعة ، فكان بها صلاح العالم بمعرفة الحساب وإصلاح المآكل والمشارب وغير ذلك من المآرب ، فيوجد كل من الملوين بعد أن لم يكن والنبات من النجم والشجر كذلك عادة مستمرة دالة على أنه تعالى قادر على الإيجاد والإعدام لكل ما يريده من غير كلفة ما. كما قال تعالى : (إِنَّا) أي : على ما لنا من العظيمة (لَقادِرُونَ.)
(عَلى أَنْ نُبَدِّلَ) أي : تبديلا عظيما بما لنا من الجلالة عوضا عنهم (خَيْراً مِنْهُمْ) أي : بالخلق أو بتحويل الوصف فيكونون أشدّ بطشا في الدنيا وأكثر أموالا وأولادا وأعلى قدرا وأكثر حشما وجاها وخدما ، فيكونون عندك على قلب واحد في سماع قولك وتوقيرك وتعظيمك والسعي في كل ما يشرح صدرك بدل ما يعمل هؤلاء من الهزء والتصفيق والصفير وكل ما يضيق به صدرك ،