إليهم لا يرون سيدا غيره ولا محسنا سواه.
ثم بين كثرة صلاتهم بقوله تعالى : (سِيماهُمْ) أي : علامتهم التي لا تفارقهم (فِي وُجُوهِهِمْ) ثم بين تعالى العلامة بقوله (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) وهو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] رواه عطية العوفيّ عن ابن عباس. وعن أنس هو استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم. وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقال مجاهد هو السمت الحسن والخشوع والتواضع والمعنى أنّ السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك : هو صفرة الوجه. وقال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال عكرمة : هو أثر التراب على الجباه. قال أبو العالية : لأنهم يسجدون على التراب لا على الثياب. وقال عطاء : استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل لأنّ من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
قال بعضهم : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس. قال البقاعي : ولا يظن أنّ من السيما ما يصنعه بعض المرائين من أثر هيئة السجود في جبهته فإنّ ذلك من سيما الخوارج. وفي نهاية ابن الأثير في تفسير الثقات ومنه حديث أبي الدرداء أنه رأى رجلا بين عينيه مثل ثغنة البعير فقال : لو لم يكن هذا كان خيرا يعني كان على جبهته أثر السجود وإنما كرهها خوفا من الرياء عليه. وعن أنس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إني لأبغض الرجل وأكرهه إذا رأيت بين عينيه أثر السجود» (١) وعن بعض المتقدّمين : كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير فلا ندري أثقلت الرؤوس أم خشنت الأرض. وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق.
ثم أشار تعالى إلى علو مرتبة ذلك الوصف بقوله سبحانه : (ذلِكَ) أي : هذا الوصف العالي جدا البديع المثال البعيد المنال (مَثَلُهُمْ) أي : صفتهم (فِي التَّوْراةِ) وههنا تم الكلام فإن مثلهم : مبتدأ وخبره في التوراة وقوله تعالى : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) أي : الذي نسخ الله تعالى به بعض أحكام التوراة مبتدأ وخبره (كَزَرْعٍ) أي : مثل زرع (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي : فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ وهل يختص ذلك بالحنطة فقط أو بها وبالشعير أو لا يختص خلاف مشهور قال الشاعر (٢):
أخرج الشطأ على وجه الثرى |
|
ومن الأشجار أفنان الثمر |
وقرأ ابن كثير وابن ذكوان : بفتح الطاء والباقون بإسكانها. وهما لغتان كالنهر والنهر وأدغم أبو عمرو الجيم في الشين بخلاف عنه ثم سبب عن هذا الإخراج قوله تعالى : (فَآزَرَهُ) أي : قواه وأعانه. وقرأ ابن ذكوان : بقصر الهمزة بعد الفاء والباقون بالمدّ. (فَاسْتَغْلَظَ) أي : فطلب المذكور من الزرع والشطء الغلظ وأوجده فتسبب عن ذلك اعتداله (فَاسْتَوى) أي : قوي واستقام وقوله تعالى : (عَلى سُوقِهِ) متعلق باستوى ويجوز أن يكون حالا أي كائنا على سوقه أي قائما عليها ، هذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون. قال قتادة : مثل أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.