وجهيه يضيء لأهل الأرض ؛ والثاني لأهل السموات. قال الحسن : يعني في السماء الدنيا ، كما تقول : أتيت بني فلان ، وإنما أتيت بعضهم وفلان متوار في دور بني فلان ، وهو في دار واحدة ، وبدأ به لقربه وسرعة حركته وقطعه جميع البروج في كل شهر وغيبوبته في بعض الليالي ، ثم ظهوره وذلك أعجب في القدرة.
ولما كان نوره مستفادا من نور الشمس قال تعالى : (وَجَعَلَ) أي : فيها (الشَّمْسَ) أي : في السماء الرابعة (سِراجاً) أي : نورا عظيما كاشفا لظلمة الليل عن وجه الأرض وهي في السماء الرابعة كما مرّ. وقيل : في الخامسة ، وقيل : في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة. روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن عمر : أنّ الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وأقفيتهما إلى الأرض ، وجعلهما سبحانه آية على رؤية عباده المؤمنين له في الجنة.
(وَاللهُ) أي : الملك الأعظم الذي له الأمر كله (أَنْبَتَكُمْ) أي : بخلق أبيكم آدم عليهالسلام (مِنَ الْأَرْضِ) أي : كما ينبت ، وعبر بذلك تذكيرا لنا بما كان من خلق أبينا آدم عليهالسلام لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض (نَباتاً) أي : أنشأكم منها إنشاء ، فاستعير الإنبات له لأنه أدل على الحدوث والتكوّن ، وأصله أنبتكم فنبتم نباتا فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية.
(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ) على التدريج (فِيها) أي : الأرض بالموت والإقبار وإن طالت الآجال (وَيُخْرِجُكُمْ) أي : منها بالإعادة ، وأكد بالمصدر الجاري على الفعل إشارة إلى شدّة العناية به وتحتم وقوعه لإنكارهم له فقال تعالى : (إِخْراجاً) أي : غريبا ليس هو كما تعلمون بل تكونون به في غاية ما يكون من الحياة الباقية تلابس أرواحكم بها أجسامكم ملابسة لا انفكاك بعدها لا حكما عن الآخر.
(وَاللهُ) أي : المستجمع لجميع الجلال والإكرام (جَعَلَ لَكُمُ) أي : نعمة عليكم اهتماما بأمركم (الْأَرْضَ بِساطاً) أي : سهل عليكم التصرّف فيها والتقلب عليها سهولة التصرّف في البساط.
ثم علل ذلك بقوله تعالى : (لِتَسْلُكُوا) أي : متخذين (مِنْها) أي : الأرض مجددين ذلك (سُبُلاً) أي : طرقا واضحة مسلوكة بكثرة (فِجاجاً) أي : ذوات اتساع لتتوصلوا إلى البلاد الشاسعة برا وبحرا ، فيعم الانتفاع بجميع البقاع فالذي قدر على إحداثكم وأقدركم على التصرّف في أصلكم مع ضعفكم قادر على إخراجكم من أجداثكم التي لم تزل طوع أمره ومحل عظمته وقهره.
ولما أكثروا مع نوح عليهالسلام الجدال ونسبوه إلى الضلال وقابلوه بأشنع الأقوال والأفعال.
(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (٢٤) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (٢٨))