في المطر ، كما قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ٩٦] الآية. وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦] الآية. وقال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق : ٢] الآية. وقال تعالى : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) إلى قوله : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [نوح : ١٠ ـ ١٢] الآية.
(لِنَفْتِنَهُمْ) أي : نعاملهم معاملة المختبر بما لنا من العظمة (فِيهِ) أي : في ذلك الماء الذي تكون عنده أنواع النعم لينكشف حال الشاكر والكافر.
قال الرازي : وهذا بعد ما حبس عنهم المطر سنين ا. ه. قال الجلال المحلي : سبع سنين. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة. وقال الحسن وغيره : كانوا سامعين مطيعين ، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه يعني عثمان رضي الله تعالى عنه. قال البقاعي : ويجوز أن يكون مستعارا للعلم وأنواع المعارف الناشئة عن العبادات التي هي للنفوس كالنفوس للأبدان ، وتكون الفتنة بمعنى التخليص من الهموم والرذائل في الدنيا والنعم في الآخرة من فتنت الذهب ، إذا : خلصته من غشه.
(وَمَنْ يُعْرِضْ) أي : إعراضا مستمرا إلى الموت (عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) أي : مجاوزا عن عبادة المحسن إليه المربي له الذي لا إحسان عنده من غيره. وقيل : المراد بالذكر القرآن ، وقيل : الوحي. وقيل : الموعظة. (نَسْلُكُهُ) أي : ندخله (عَذاباً) يكون مظروفا فيه كالخيط في ثقب الخرزة في غاية الضيق (صَعَداً) أي : شاقا شديدا يعلوه ويغلبه ويصعد عليه ، ويكون كل يوم أعلى مما قبله جزاء وفاقا. وقال ابن عباس : هو جبل في جهنم. قال الخدري : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت. وعن ابن عباس : أنّ المعنى مشقة من العذاب ، لأنّ الصعد في اللغة هو المشقة ، تقول : تصعدني الأمر إذا شق عليك ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدني في خطبة النكاح ، يريد ما شق علي وما غلبني والمشي في الصعود يشق.
وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم. وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ولا يبلغ في أربعين سنة ، فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضا الصعود فذاك دأبه أبدا وهو قوله تعالى : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١٧] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة لإعادة الضمير على الله تعالى والباقون بالنون على الالتفات وهذا كما في قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء : ١٠] ثم قال : (بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١].
واتفقوا على فتح الهمزة في قوله تعالى : (وَأَنَ) أي : وأوحي إليّ أنّ (الْمَساجِدَ لِلَّهِ) أي : مختصة بالملك الأعظم والمساجد قيل جمع مسجد بالكسر وهو موضع السجود ، وقال الحسن : أراد بها كل البقاع لأنّ الأرض جعلت كلها مسجدا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «أينما كنتم فصلوا وأينما صليتم فهو مسجد» (١). وقيل : إنه جمع مسجد بالفتح مرادا به الأعضاء الواردة في الحديث :
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٠ ، وأخرجه مسلم في المساجد حديث ١ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٥٦ ، ١٥٧ ، بلفظ : «أينما أدركتك فصل فهو مسجد».