في ضمنه أمر بذكر الله تعالى ودعائه ، وروى الضحاك عن ابن عباس «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى ، وقال : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) اللهمّ عبدك وزائرك وعلى كل مزور حق وأنت خير مزور ، فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار ، فإذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى ، وقال : اللهمّ صب عليّ الخير صبا ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ولا تجعل معيشتي كدّا واجعل لي في الأرض جدّا» (١) أي : غنى.
وقرأ (وَأَنَّهُ) نافع وشعبة بكسر الهمزة على الاستئناف والباقون بالفتح أي وأوحي إليّ أنه (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) أي : عبد الملك الأعلى الذي له الجلال كله والجمال ، فلا موجود يدانيه بل كل موجود من فائض فضله وعبد الله هو محمد صلىاللهعليهوسلم حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن.
فإن قيل : هلا قيل رسول الله أو النبي؟ أجيب : بأنّ تقديره وأوحي ، فلما كان واقعا في كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نفسه جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل أو لأنّ المعنى أنّ عبادة عبد الله ليست بأمر مستبعد عن العقل ولا مستنكر حتى تكونوا عليه لبدا ، ومعنى (يَدْعُوهُ) أي : يعبده وقال ابن جريح : يدعوه أي قام إليهم داعيا إلى الله تعالى ، فهو في موضع الحال أي : موحدا له (كادُوا) أي : قرب الجنّ المستمعون لقراءته (يَكُونُونَ عَلَيْهِ) أي : على عبد الله (لِبَداً) أي : متراكمين بعضهم على بعض من شدّة ازدحامهم حرصا على سماع القرآن وقيل : كادوا يركبونه حرصا قاله الضحاك. وقال ابن عباس : رغبة في سماع القرآن وروي عن مكحول أنّ الجنّ بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذه الليلة وكانوا سبعين ألفا ، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر ، وعن ابن عباس أيضا أنّ هذا من قول الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وائتمامهم به في الركوع والسجود.
وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني لما قام عبد الله محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليبطلوه فأبى الله تعالى إلا أن ينصره ويتم نوره ، واختار الطبري أن يكون كادت العرب يجتمعون على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به ، وقرأ هشام بضم اللام والباقون بكسرها ، فالأولى جمع لبدة بضم اللام نحو غرفة وغرف. وقيل : بل هو اسم مفرد صفة من الصفات ، وعليه قوله تعالى : (مالاً لُبَداً) [البلد : ٦] وأمّا الثانية فجمع لبدة بالكسر نحو قربة وقرب واللبدة واللبدة الشيء الملبد أي : المتراكب بعضه على بعض ومنه لبدة الأسد كقول زهير (٢) :
لدى أسد شاكي السلاح مقذف |
|
له لبد أظفاره لم تقلم |
ومنه اللبد لتلبد بعضه فوق بعض.
ولما قال كفار قريش للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا فنحن نجيرك (قُلْ) صلىاللهعليهوسلم مجيبا لهم (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) أي : الذي أوجدني ورباني ولا نعمة عندي إلا منه وحده لا أدعو غيره حتى تعجبوا مني (وَلا أُشْرِكُ بِهِ) أي : الآن ولا في مستقبل
__________________
(١) أخرجه ابن كثير في تفسيره ٦ / ٤١٨ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٢.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٤ ، ولسان العرب (قذف) ، (مكن) ، تهذيب اللغة ٩ / ٧٦ ، وجمهرة اللغة ص ٩٧٤ ، وتاج العروس (قذف).