ما نزل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ففي ذلك إشارة بأنّ أهل الإسلام يكثرون جدّا (وَآخَرُونَ) غير المرضى (يَضْرِبُونَ) أي : يوقعون الضرب (فِي الْأَرْضِ) أي : يسافرون لأنّ الماشي يجد ويضرب برجله في الأرض (يَبْتَغُونَ) أي : يطلبون طلبا شديدا (مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي : بعض ما أوجده الملك الأعظم لعباده بالتجارة وغيرها (وَآخَرُونَ) أي : منكم أيّها المسلمون (يُقاتِلُونَ) أي : يطلبون ويوقعون قتل أعداء الله تعالى ، ولذلك بينه بقوله تعالى (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : الملك الأعظم ، وكل من الفرق الثلاث يشق عليهم ما ذكر في قيام الليل ، وسوّى سبحانه في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين للمال الحلال لنفقته على نفسه وعياله والإحسان فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد ؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله ، قال صلىاللهعليهوسلم : «ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(١).
وقال ابن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا ، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء» وقرأ (وَآخَرُونَ) الآية. وقال ابن عمر : ما خلق الله تعالى موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إليّ من الموت بين شعبتي رجل ابتغى من فضل الله ضاربا في الأرض ، وقال طاووس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وأعاد قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أي : من القرآن للتأكيد.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : المكتوبة وهي خمس بجميع الأمور التي تقوم بها من أركانها وشروطها وأبعاضها وهيآتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي : زكاة أموالكم. وقال عكرمة وقتادة : صدقة الفطر لأنّ زكاة الأموال وجبت بعد ذلك. وقيل : صدقة التطوع. وقيل : كل فعل خير ، وقال ابن عباس : طاعة الله تعالى والإخلاص.
(وَأَقْرِضُوا اللهَ) أي : الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال التي منها الغنى المطلق من أبدانكم وأموالكم في أوقات صحتكم ويساركم (قَرْضاً حَسَناً) من نوافل الخيرات كلها برغبة تامّة وعلى هيئة جميلة في ابتدائه وانتهائه. وقال زيد بن أسلم : القرض الحسن النفقة على الأهل. وقيل : صلة الرحم وقرى الضيف. وقال عمر بن الخطاب : هو النفقة في سبيل الله.
(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي : خاصة سلفا لأجل ما بعد الموت حيث لا تقدرون على الأعمال (مِنْ خَيْرٍ) أي خير كان من عبادات البدن والمال (تَجِدُوهُ) أي : محفوظا لكم (عِنْدَ اللهِ) أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما (هُوَ) أي : لا غيره (خَيْراً) أي : لكم وجاز ضمير الفصل بين غير معرفتين ؛ لأن أفعل منه كالمعرفة ولذلك يمتنع دخول أداة التعريف عليها. والمعنى : هو خير من الذي تدخرونه إلى الوصية عند الموت ، قاله ابن عباس. وقال الزجاج : خيرا لكم من متاع الدنيا. وروى البغوي بسنده عن عبد الله أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ قالوا : يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال : اعملوا ما تقولون قالوا : ما نعلم إلا ذاك يا رسول الله. قال : إنما مال أحدكم ما قدم
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٥٥.