سورة المدثر
مكية ، وهي خمس أو ست وخمسون آية ، ومائتان وخمس وخمسون كلمة ، وألف وعشرة أحرف.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) الملك الواحد القهار (الرَّحْمنِ) الذي عمّ برحمته الأبرار والفجار (الرَّحِيمِ) الذي خص أصفياءه بما يوصلهم إلى دار القرار.
ولما ختمت المزمّل بالبشارة لأرباب البصارة بعد ما بدئت بالاجتهاد في الخدمة المهيء للقيام بأعباء الدعوة افتتحت هذه بمحط حكمة الرسالة وهي النذارة فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧))
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) روي عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أوّل ما نزل من القرآن قال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ.) قلت يقولون (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١] قال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ذلك الذي قلت ، فقال لي جابر : لا أحدثك إلا مثل ما حدثنا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري هبطت فنوديت ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت عن خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا ، فأتيت خديجة فقلت : دثروني وصبوا عليّ ماء باردا» ، قال : فنزل (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) الآية (١) ، وذلك قبل أن تفرض الصلاة ، وفي رواية «فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي وذكر نحوه» ، وفيه : فإذا قاعد على عرش في الهواء ـ يعني جبريل عليهالسلام ـ فأخذتني رجفة شديدة» وعن جابر من رواية الزهري عن أبي سلمة عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحدّث عن فترة الوحي ، فقال لي في حديثه : «فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاء لي بحراء جالس على كرسيّ بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا ، فقلت : زملوني زملوني فدثروني ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٢) إلى قوله : (فَاهْجُرْ)
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٢٢ ومسلم في الإيمان حديث ١٦١.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الوحي حديث ٤٣ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٦٠.