يقول حقا. وقال الجلال المحلي : استفتاح بمعنى ألا (وَالْقَمَرِ) أي : الذي هو آية الليل الهادية من ضل بظلامه.
(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) أي : مضى فانقلب راجعا من حيث جاء فانكشف ظلامه ، وقرأ نافع وحمزة وحفص بسكون الذال المعجمة والدال المهملة بعدها وهمزة قطع مفتوحة بين المعجمة والمهملة الساكنين ، والباقون بفتح الذال المعجمة وبعدها ألف وفتح المهملة بعد الألف ، فالقراءة الأولى إذ أدبر والثانية إذا دبر وكلاهما لغة. يقال : دبر الليل وأدبر إذا ولى مدبرا ذاهبا. قال أبو عمرو : ودبر لغة قريش ، وقال قطرب : دبر أي : أقبل ، تقول العرب دبرني فلان أي : جاء خلفي فالليل يأتي خلف النهار.
وقوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أي : أضاء وتبين.
وقوله تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) جواب للقسم أو تعليل لكلا ، والقسم معترض للتوكيد ، والكبر جمع الكبرى جعلت ألف التأنيث كتائها ، فلما جمعت فعلة على فعل جمعت فعلى عليها. ونظير ذلك القواصع في جمع القاصعاء كأنها جمع فاعلة ، أي : لإحدى البلايا والدواهي الكبر. ومعنى كونها إحداهنّ أنها من بينهنّ واحدة في العظم لا نظير لها ، كما تقول : هو أحد الرجال وهي إحدى النساء.
وقوله تعالى : (نَذِيراً) تمييز من إحدى على معنى أنها لإحدى الدواهي إنذارا كما تقول هي إحدى النساء عفافا وقيل : هي حال وقيل : هو متصل بأوّل السورة أي : قم نذيرا (لِلْبَشَرِ) قال الزمخشري : وهو من بدع التفاسير.
وقوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ) أي : بإرادته (مِنْكُمْ) بدل من البشر (أَنْ يَتَقَدَّمَ) أي : إلى الخير أو إلى الجنة بالإيمان (أَوْ يَتَأَخَّرَ) أي : إلى الشر أو النار بالكفر.
(كُلُّ نَفْسٍ) أي : ذكر أو أنثى على العموم (بِما كَسَبَتْ) أي : خاصة لا ما كسب غيرها (رَهِينَةٌ) أي : مرهونة مأخوذة وليست بتأنيث رهين في قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١] لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصفة لقيل : رهين ، لأنّ فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن. ومنه بيت الحماسة (١) :
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب |
|
رهينة رمس ذي تراب وجندل |
كأنه قال : والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك.
(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) وهم المؤمنون فإنهم فكوا رقابهم بإيمانهم وبما أحسنوا من أعمالهم وقيل : هم الملائكة ، وروي عن علي أنهم أطفال المسلمين. وقال مقاتل رضي الله عنه : هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال لهم الله : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وعنه أيضا : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم. وقال الحسن رضي الله عنه : هم المسلمون الخالصون. وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها بخير أو شر إلا من اعتمد على الفضل ، فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ، ومن اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أساس البلاغة (رهن).