النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «اللهمّ اكفني جاري السوء عدي بن ربيعة والأخنس بن شريق» (١) وقيل : نزلت في عدوّ الله أبي جهل أنكر البعث بعد الموت وذكر العظام ، والمراد نفسه كلها لأنّ العظام قالب الخلق.
تنبيه : ألن هنا موصولة وليس بين الهمزة واللام نون في الرسم كما ترى.
وقوله تعالى : (بَلى) إيجاب لما بعد النفي المنسحب عليه الاستفهام وهو وقف حسن ، ثم يبتدئ بقوله تعالى : (قادِرِينَ) وقيل : المعنى : بل نجمعها قادرين مع جمعها (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أي : أصابعه وسلامياته وهي عظامه الصغار التي في يده ، خصها بالذكر لأنها أطرافه وآخر ما يتم به خلقه أي : نجمع بعضها على بعض على ما كانت عليه قبل الموت لأنا قدرنا على تفصيل عظامه وتفتيتها ، فنقدر على جمعها وتوصيلها ، وقدرنا على جمع صغار العظام فنحن على جمع كبارها أقدر ، وقال ابن عباس وأكثر المفسرين : على أن نسوي بنانه أي : نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير أو كحافر الحمار أو كظلف الخنزير ، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا ، ولكنا فرّقنا أصابعه حتى يفعل بها ما شاء. وقيل : نقدر أن نصير الإنسان في هيئة البهائم فكيف في صورته التي كان عليها وهو كقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [الواقعة : ٦٠ ـ ٦١].
وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) عطف على أيحسب فيجوز أن يكون استفهاما وأن يكون جوابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم وعن الاستفهام (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) أي : ليدوم على فجوره فيما يستقبله من زمان لا يبرح عنه ولا يتوب ، هذا قول مجاهد رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : يقدّم الذنب ويؤخر التوبة ، فيقول : سوف أتوب سوف أعمل حتى يأتيه الموت على أشرّ أحواله وأسوأ أعماله. وقال الضحاك رضي الله عنه : هو الأجل يقول : أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا ولا يذكر الموت. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يكذب بما أمامه من البعث والحساب ، وأصل الفجور الميل وسمي الكافر والفاسق فاجرا لميله عن الحق.
(يَسْئَلُ) أي : سؤال استهزاء أو استبعاد (أَيَّانَ) أي : أي وقت يكون (يَوْمُ الْقِيامَةِ.)
ولما كان الجواب يوم يكون كذا وكذا عدل عنه إلى ما سبب عن استبعاده لأنه أهول فقال تعالى (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي : شخص ووقف لما يرى مما كان يكذب به هذا على قراءة نافع بفتح الراء وأما على قراءة كسرها فالمعنى : تحير ودهش مما يرى وقيل : هما لغتان في التحير والدهشة.
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أي : أظلم وذهب ضوءه ، وقد اشتهر أنّ الخسوف للقمر والكسوف للشمس. وقيل : يكونان فيهما ، يقال : خسفت الشمس وكسفت ، وخسف القمر وكسف. وقيل : الكسوف أوّله والخسوف آخره.
ولم تلحق علامة التأنيث في قوله تعالى (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) لأنّ التأنيث مجازي ، وقيل : لتغليب التذكير ، وردّ لأنه لا يقال : قام هند وزيد عند الجمهور من العرب. وقال الكسائي : حمل على جمع النّيران. وقال الفرّاء : لم يقل جمعت لأنّ المعنى : جمع بينهما قال الفرّاء والزجاج : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه. وقال
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٩ / ٩٣ ، وابن الجوزي في زاد المسير ٨ / ٤١٧ ، والبغوي في تفسيره ٥ / ١٨٢.