والاهتمام والتملق. وقوله تعالى : (مَعاذِيرَهُ) جمع معذرة على غير قياس قاله الجلال المحلي. أي : لو جاء بكل معذرة ما قبلت منه. وقال الزمخشريّ : المعاذير ليس بجمع معذرة ، وإنما هو اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر ا. ه. قال أبو حيان : وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع وإنما هو من أبنية جموع التكسير ا. ه. وقيل : معاذير جمع معذار وهو الستر ، والمعنى : ولو أرخى ستوره والمعاذير الستور بلغة اليمن قاله الضحاك. وحكى الماورديّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) أي : ولو تجرّد من ثيابه.
ولما كان صلىاللهعليهوسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل عليهالسلام القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن ينفلت منه أمره الله تعالى بأن ينصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه حتى يقضي الله تعالى وحيه ثم يعقبه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه بقوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ) أي : بالقرآن (لِسانَكَ) ما دام جبريل عليهالسلام يقرؤه (لِتَعْجَلَ بِهِ) أي : لتأخذه على عجلة مخافة أن ينفلت منك ، فإنّ هذه العجلة وإن كانت من الكمالات بالنسبة إليك وإلى إخوانك من الأنبياء عليهمالسلام كما قال موسى عليهالسلام : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤] نقل صلىاللهعليهوسلم من مقام كامل إلى أكمل منه.
ثم علل النهي عن العجلة بقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا) أي : بما لنا من العظمة لا على أحد سوانا (جَمْعَهُ) أي : في صدرك حتى تثبته وتحفظه (وَقُرْآنَهُ) أي : قراءتك إياه يعني جريانه على لسانك.
(فَإِذا قَرَأْناهُ) عليك بقراءة جبريل عليهالسلام (فَاتَّبِعْ) أي : بغاية جهدك بإلقاء سمعك وإحضار قلبك (قُرْآنَهُ) أي : قراءته مجموعة على حسب ما أداه رسولنا وجمعناه لك في صدرك ، وكرر تلاوته حتى يصير لك به ملكة عظيمة ، ويصير لك خلقا ، فيكون قائدك إلى كل خير. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نزل جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، وكان يعرف منه فأنزل الله تعالى الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) الآية ، فكان صلىاللهعليهوسلم إذا أتاه جبريل عليهالسلام أطرق. فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى» (١) قال سعيد بن جبير : قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحركهما فأنزل الله عزوجل الآية.
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا) أي : بما لنا من العظمة (بَيانَهُ) أي : بيان ألفاظه ومعانيه لك سواء أسمعته من جبريل عليهالسلام على مثل صلصلة الجرس أم بكلام الناس المعتاد بالصوت والحروف ، ولغيرك على لسانك وعلى ألسنة العلماء من أمّتك ، والآية مشيرة إلى ترك مطلق العجلة ؛ لأنه إذا نهى عنها في أعظم الأشياء وأهمها كان غيره بطريق الأولى ، والمناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنّ تلك تضمنت الإعراض عن آيات الله تعالى ، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها.
وقوله تعالى : (كَلَّا) استفتاح بمعنى : ألا. وقال الزمخشري : ردع للنبيّ صلىاللهعليهوسلم عن عادة
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٢٩ ، ومسلم في الصلاة حديث ٤٤٨ ، والنسائي في الافتتاح حديث ٩٣٥.