بالعرف من أمر الله تعالى ونهيه والخير والوحي ، وهو قول أبي هريرة ومقاتل والكلبي ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الأنبياء عليهمالسلام أرسلوا بلا إله إلا الله. وقال أبو صالح : هم الرسل ترسل بما يعرفون به من المعجزات. وقيل : المراد السحاب لما فيها من نعمة ونقمة عارفة بما أرسلت إليه ومن أرسلت إليه.
(فَالْعاصِفاتِ) أي : الرياح الشديدة (عَصْفاً) أي : عظيما بما لها من النتائج الصالحة ، وقيل : الملائكة شبهت لسرعة جريها في أمر الله تعالى بالرياح ، وقيل : الملائكة تعصف بروح الكافر يقال : عصف بالشيء إذا أباده وأهلكه ، وناقة عصوف أي : تعصف بركابها فتمضي كأنها ريح في السرعة ، وعصفت الحرب بالقوم أي : ذهبت بهم. وقيل : يحتمل أنها الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف.
(وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) أي : الرياح اللينة تنشر المطر. وقال الحسن : هي الرياح التي يرسلها الله تعالى بين يدي رحمته ، وقيل : الأمطار لأنها تنشر النبات بمعنى تحييه. وروي عن السدي أنها الملائكة تنشر كتب الله تعالى. وروى الضحاك أنها الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد.
تنبيه : إنما قال الله تعالى (وَالنَّاشِراتِ) بالواو لأنه استئناف قسم آخر.
(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) أي : الرياح تفرق السحاب وتبدده قاله مجاهد ، وعن ابن عباس هي الملائكة تفرّق الأقوات والأرزاق والآجال ، وقيل : هم الرسل فرّقوا بين ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه أي : بينوا ذلك ، وقيل : آيات القرآن تفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام.
(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) أي : الملائكة تنزل بالوحي إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وقيل : هو جبريل عليهالسلام وحده سمي باسم الجمع تعظيما.
فإن قيل : ما المناسبة على هذا بين الرياح والملائكة في القسم؟ أجيب : بأنّ الملائكة روحانيون ، فهم بسبب لطافتهم وسرعة حركاتهم كالرياح.
وقيل : المراد به الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل عليهم ، وذكرا مفعول به ناصبه الملقيات.
(عُذْراً أَوْ نُذْراً) مصدران من عذر إذا محا الإساءة ، ومن أنذر إذا خوّف على فعل كالكفر والشكر. ويجوز أن يكون جمع عذير بمعنى المعذور ، وجمع نذير بمعنى الإنذار ، وبمعنى العاذر والمنذر. ونصبهما إمّا على البدل من ذكرا على الوجهين الأوّلين أو على المفعول له ، وإمّا على الوجه الثالث ، فعلى الحال بمعنى عاذرين أو منذرين. وقرأ (أَوْ نُذْراً) نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة بضم الذال والباقون بسكونها.
وقوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) جواب القسم ، ومعناه أنّ الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة ، وقال الكلبي : المراد أنّ كل ما توعدون به من الخير والشرّ لواقع.
ثم بين وقت وقوعه فقال تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ) أي : على كثرتها (طُمِسَتْ) أي : محي نورها أو ذهب نورها ومحقت ذواتها ، وهو موافق لقوله تعالى : (انْتَثَرَتْ) [الانفطار : ٢٠] و (انْكَدَرَتْ) [التكوير : ٢] قال الزمخشري : ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور.
(وَإِذَا السَّماءُ) أي : على عظمها (فُرِجَتْ) أي : فتحت وشققت فكانت أبوابا ، والفرج الشق ونظيره (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١].