الكفات أنهم يتصرّفون على ظهرها وينقلبون إليها فيدفعون فيها.
(وَجَعَلْنا) أي : بما لنا من القدرة التامّة (فِيها) أي : الأرض (رَواسِيَ) أي : جبالا لولاها لمادت بأهلها ، ومن العجائب مراسيها من فوقها خلافا لمراسي السفن (شامِخاتٍ) أي : مرتفعات جمع شامخ وهو المرتفع جدّا ، ومنه شمخ بأنفه إذا تكبر ، جعل كناية عن ذلك كثنى العطف وصعر الخدّ ، كما قال لقمان لابنه : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) [لقمان : ١٨].
(وَأَسْقَيْناكُمْ) أي : بما لنا من العظمة (ماءً) أي : من الأنهار والعيون والغدران والآبار وغير ذلك (فُراتاً) أي : عذبا تشربون منه ودوابكم وتسقون منه زرعكم ، وهذه الأمور أعجب من البعث ، روي في الأرض من الجنة سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ تقوم الساعة (لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : بأمثال هذه النعم.
وقوله تعالى : (انْطَلِقُوا) على إرادة القول ، أي : يقال للمكذبين يوم القيامة : انطلقوا. (إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العذاب يعني : النار فقد شاهدتموها عيانا.
(انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍ) أي : ظل دخان جهنم لقوله تعالى : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) [الواقعة : ٤٣]. (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) أي : تشعب لعظمه كما يرى الدخان العظيم يتفرّق ذوائب. وقيل : يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كالسرادق ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظللهم حتى يفرغ حسابهم والمؤمنون في ظل العرش ، وقيل : إن الشعب الثلاث : هي الضريع والزقوم والغسلين ؛ لأنها أوصاف النار وقوله تعالى : (لا ظَلِيلٍ) أي : كنين يظلهم من حرّ ذلك اليوم تهكم بهم وردّ لما يوهم لفظ الظل. (وَلا يُغْنِي) أي : ولا يردّ عنهم شيئا (مِنَ اللهَبِ) أي : لهب النار ، فليس كالظل الذي يقي حرّ الشمس ، وهذا تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين. واللهب ما يعلو على النار إذا اضطربت من أحمر وأصفر وأخضر.
(إِنَّها) أي : النار (تَرْمِي) أي : من شدّة الاشتعال (بِشَرَرٍ) وهو ما تطاير من النار (كَالْقَصْرِ) أي : كل شررة كالقصر من البناء في عظمه وارتفاعه. قال ابن مسعود : يعني الحصون ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قيل : هي الخشب العظام المقطعة ، قال : وكنا نعمد إلى الخشبة فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندّخرها للشتاء فكنا نسميها القصر. وقال سعيد بن جبير والضحاك : هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصرة مثل جمرة وجمر.
وقوله تعالى : (كَأَنَّهُ) أي : الشرر جمالات قرأه حمزة والكسائي وحفص بغير ألف بعد اللام على التوحيد والباقون بالألف على الجمع ، جمع جمالة وهي التي قرأ بها أوّلا وهي جمع جمل مثل حجارة وحجر. وقوله تعالى : (صُفْرٌ) جمع أصفر أي : في هيئتها ولونها. وفي الحديث «شرار النار أصفر كالقير» (١) والعرب تسمي سود الإبل صفرا لشوب سوادها بصفرة ، فقيل : صفر في الآية بمعنى سود لما ذكروا في شعر عمران بن حطان الخارجي (٢) :
دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم |
|
بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى |
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) البيت بلا نسبة في الكشاف للزمخشري ٤ / ٦٨١.