السكت بخلاف عنه ، والضمير في يتساءلون لأهل مكة ، كانوا يتساءلون عن البعث فيما بينهم. وذلك أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد ، ويسألون الرسول والمؤمنين عنه استهزاء ، وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعا وكانوا جميعا يتساءلون عنه ، أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا ، وأما الكافر فليزداد استهزاء.
ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا؟ فقال تعالى : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال مجاهد والأكثرون : هو القرآن ، دليله قوله تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) [ص : ٦٧] وقال قتادة : هو البعث.
فإن قيل : إذا كان الضمير يرجع للكافر ، فكيف يكون قوله تعالى : (الَّذِي هُمْ) أي : بضمائرهم مع ادعائهم أنها أقوى الضمائر (فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) مع أنّ الكفار كانوا متفقين على إنكار البعث؟ أجيب : بأنا لا نسلم اتفاقهم على ذلك بل كان فيهم من يثبت المعاد الروحاني وهم جمهور النصارى ، وأما المعاد الجسماني فمنهم من يقطع القول بإنكاره ومنهم من يشك ، وأما إذا كان المتساءل عنه القرآن فقد اختلفوا فيه كثيرا وقيل : المتساءل عنه نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع للمتسائلين هزؤا ، (سَيَعْلَمُونَ) ما يحل بهم على إنكارهم له. وقوله تعالى : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) تأكيد وجيء فيه بثم للإيذان بأن الوعيد الثاني أشدّ من الأول. وقال الضحاك : الأولى للكفار والثانية للمؤمنين ، أي : سيعلم الكافرون عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم.
ثم أومأ تعالى إلى القدرة على البعث بقوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ) أي : بما لنا من العظمة (الْأَرْضَ مِهاداً) أي : فراشا كالمهد للصبيّ وهو ما يمهد له فينوّم عليه تسمية للممهود بالمصدر كضرب الأمير.
(وَالْجِبالَ) أي : التي تعرفون شدّتها وعظمها. (أَوْتاداً) أي : تثبت بها الأرض كما تثبت الخيام بالأوتاد ، والاستفهام للتقرير ، فيستدل بذلك على قدرته على جميع الممكنات. وإذا ثبت ذلك ثبت القول بصحة البعث ، وأنه قادر على تخريب الدنيا بسماواتها وكواكبها وأرضها وعلى إيجاد عالم الآخرة.
تنبيه : مهادا مفعول ثان لأنّ الجعل بمعنى التصيير ، ويجوز أن يكون بمعنى الخلق فتكون حالا مقدّرة.
(وَخَلَقْناكُمْ) أي : بما دل على ذلك من مظاهر العظمة (أَزْواجاً) أي : أصنافا ذكورا وإناثا وقيل : ألوانا.
(وَجَعَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي : راحة لأبدانكم. قال الزجاج : السبات أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل : معناه جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم وقيل : المسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة والنوم أحد التوفيتين.
وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا) أي : بما لنا من العظمة (اللَّيْلَ) أي : بعد ذهاب الضياء حتى كأنه لم يكن (لِباساً) فيه استعارة أي : يستركم عن العيون بظلمته كما إذا أردتم هربا من عدوّ أو بياتا له