رضي الله تعالى عنهما أنّ البرد النوم ومثله ، قال الكسائي وأبو عبيدة : تقول العرب منع البرد البرد أي : أذهب البرد النوم ، قال الشاعر (١) :
فلو شئت حرمت النساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |
وقرأ حمزة والكسائيّ وجعفر بتشديد السين والباقون بتخفيفها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده.
جوزوا بذلك (جَزاءً وِفاقاً) أي : موافقا لعملهم قال مقاتل : وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الكفر ولا عذاب أعظم من النار.
وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) بيان لما وافقه هذا الجزاء أي : لا يخافون أن يحاسبوا. والمعنى : أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا أنهم يحاسبون.
(وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : بما جاءت به الأنبياء عليهمالسلام ، وقيل : القرآن وقرأ (كِذَّاباً) غير الكسائيّ بالتشديد أي : تكذيبا ، قال الفراء : وهي لغة يمانية فصيحة يقولون في مصدر التفعيل فعال. وقال الزمخشري : وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ، وسمعني بعضهم أفسر آية فقال : لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله. وقرأ الكسائيّ بالتخفيف مصدر كذب بدليل قول الشاعر (٢) :
فصدقتها وكذبتها |
|
والمرء ينفعه كذابه |
قال الزمخشري : وهو مثل قوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] يعني : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا ، أو تنصبه بكذبوا لأنه يتضمن معنى كذبوا ؛ لأنه كل مكذب بالحق كاذب ، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه وكذبوا بآياتنا فكاذبوا مكاذبة ، أو كذبوا بها مكاذبين لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة ، أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر فبلغ فيه أقصى جهده.
(وَكُلَّ شَيْءٍ) أي : من الأعمال وغيرها (أَحْصَيْناهُ) أي : ضبطناه ، وقوله تعالى : (كِتاباً) فيه وجهان أحدهما : أنه مصدر في موضع إحصاء والإحصاء والكتب يتشاركان في معنى الضبط ، ثانيهما : أن يكون حالا بمعنى مكتوبا في اللوح المحفوظ كقوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢]. وقيل : أراد ما تكتبه الملائكة الموكلون بالعباد بأمر الله تعالى إياهم بالكتابة لقوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١٠ ـ ١١] والجملة اعتراض.
وقوله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) أي : شيئا من الأشياء في وقت من الأوقات (إِلَّا عَذاباً) تسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ، قال الرازي : وفي هذه الآية مبالغات منها لن للتأكيد ومنها الالتفات ، ومنها إعادة قوله تعالى : (فَذُوقُوا) بعد ذكر العذاب ، قال أبو بردة : سألت النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أشدّ آية في القرآن؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «قوله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للعرجي في ديوانه ص ١٠٩.
(٢) البيت من مجزوء الكامل ، وهو للأعشى في شرح شواهد الإيضاح ص ٦٠٦ ، ولسان العرب (صدق) ، ولم أقع عليه في ديوانه ، وبلا نسبة في شرح المفصل ٦ / ٤٤.