قال عبد الرحمن بن سابط : يدبر الأمر في الدنيا أربعة من الملائكة : جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهمالسلام ، فأما جبريل فوكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فوكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فوكل بقبض الأرواح ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم ، وليس في الملائكة أقرب منه وبينه وبين العرش خمسمائة عام. وقيل : هي الكواكب السبع حكي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وفي تدبيرها بالأمور وجهان : أحدهما تدبير طلوعها وأفولها ، والثاني في تدبير ما قضى الله تعالى فيها من تقليب الأحوال أقسم سبحانه وتعالى بهذه الأمور على قيام الساعة والبعث ، وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه ، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه ، وأما العباد فلا يصح لهم أن يقسموا بغير الله تعالى وصفاته.
وقوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ) أي : تضطرب اضطرابا كثيرا مزعجا (الرَّاجِفَةُ) أي : الصيحة منصوب بالجواب ، أي : لتبعثنّ يا كفار مكة (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) وهي النفخة الأولى بها يرجف كل شيء ، أي : يتزلزل ويتحرّك لها كل شيء ، ويموت منها جميع الخلائق فوصفت بما يحدث منها. (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) أي : الصيحة التابعة لها وهي النفخة الثانية ، ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة ، والجملة حال من الراجفة واليوم واسع للنفختين وغيرهما ، فصح ظرفيته للبعث الواقع عقيب الثانية. وقال قتادة رضي الله عنه : هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله سبحانه وتعالى ، وقال عطاء : الراجفة القيامة والرادفة البعث. روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال : يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه» (١).
(قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ) أي : إذ قام الخلائق بالصيحة التابعة للأولى (واجِفَةٌ) أي : خائفة قلقة مضطربة من الوجيف وهو صفة القلوب ، وقال مجاهد رضي الله عنه : وجلة. وقال السدّي : زائلة عن أماكنها ، نظيره (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨].
(أَبْصارُها) أي : أبصار أصحابها ، فهو من الاستخدام (خاشِعَةٌ) أي : ذليلة من الخوف ، ولذا أضافها إلى القلوب ، كقوله تعالى : (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [الشورى : ٤٥].
(يَقُولُونَ) أي : أرباب القلوب والأبصار في الدنيا استهزاء وإنكارا للبعث (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) أي : بعد الموت (فِي الْحافِرَةِ) أي : في الحياة التي كنا فيها قبل الموت ، وهي حالتنا الأولى ، فنصير أحياء بعد الموت كما كنا ، تقول العرب : رجع فلان في حافرته ، أي : رجع من حيث جاء ، والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء وأوّل الشيء. وقال بعضهم : الحافرة وجه الأرض التي تحفر فيها قبورهم ، سميت حافرة بمعنى المحفورة. كقوله تعالى : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أي : مرضية ، وقيل : سميت حافرة لأنها مستقرّ الحوافر ، أي : إنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا نمشي عليها ، وقال ابن زيد : الحافرة النار.
(أَإِذا كُنَّا) أي : كونا صار جبلة لنا. (عِظاماً نَخِرَةً) أي : بالية متفتتة نحيى بعد ذلك ،
__________________
(١) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٤٥٧ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٢ / ٥٠٠ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٢٥٦ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥١٣.