وقرأ : أئنا وإذا نافع وابن عامر والكسائي بالاستفهام في الأوّل والخبر في الثاني ، والباقون بالاستفهام فيهما ، وسهل نافع وابن كثير وأبو عمرو والباقون بالتحقيق ، وأدخل بين الهمزتين قالون وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه ألفا والباقون بغير إدخال.
وقرأ (نَخِرَةً) حمزة وشعبة والكسائي بالألف بعد النون والباقون بغير ألف ، وهما لغتان ، مثل : الطمع والطامع ، والحذر والحاذر ، معناهما البالية ، وفرق قوم بينهما فقالوا : النخرة البالية ، والنخرة المجوّفة التي تمر فيها الريح فتنخر أي : تصوّت.
(قالُوا) أي : المنكرون للبعث (تِلْكَ) أي : رجعتنا العجيبة إلى الحياة (إِذاً) أي : إن صحت (كَرَّةٌ) أي : رجعة (خاسِرَةٌ) أي : ذات خسران أو خسار أصحابها ، والمعنى : إن صحت فنحن إذا خاسرون بتكذيبنا وهو استهزاء منهم. وعن الحسن رضي الله عنه أن خاسرة بمعنى كاذبة ، أي : ليست كائنة.
قال الله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ) أي : الرادفة التي يتبعها البعث (زَجْرَةٌ) أي : صيحة بانتهار تتضمن الأمر بالقيام والسوق إلى المحشر والمنع من التخلف (واحِدَةٌ) عبر بالزجرة لأنه أشدّ من النهي ، لأنها صيحة لا يتخلف عنها القيام أصلا فكان كأنه بلسان قال عن تلك الصيحة : أيها الأجساد البالية انتهي عن الرقاد وقومي إلى الميعاد بما حكمنا به من المعاد ، فقد انتهى زمن الحصاد ، وآن أوان الاجتناء لما قدّم من الزاد ، فيا خسارة من ليس له زاد.
(فَإِذا هُمْ) أي : فتسبب عن تلك النفخة وهي الثانية أن كل الخلائق (بِالسَّاهِرَةِ) أي : صاروا على وجه الأرض بعدما كانوا في جوفها. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة ، قال بعض أهل اللغة : تراهم سموها ساهرة لأنّ فيها نوم الحيوان وسهرهم. قال سفيان رضي الله عنه : هي أرض الشام ، وقال قتادة رضي الله عنه : هي جهنم.
فإن قيل : بم يتعلق (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ؟) أجيب : بأنه متعلق بمحذوف معناه لا تستصعبوها (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) يعني : لا تحسبوا تلك الكرّة صعبة على الله تعالى ، فإنها سهلة هينة في قدرته تعالى.
وقال الزمخشري : الساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك ، لأنّ السراب يجري فيها من قولهم : عين ساهرة أي : جارية الماء وفي ضدها نائمة. قال الأشعث بن قيس (١) :
وساهرة يضحى السراب مجللا |
|
لأقطارها قد جبتها متلثما |
أو لأنّ سالكها لا ينام خوف الهلكة. وقال الراغب : هي وجه الأرض. وقيل : أرض القيامة ، وحقيقتها التي يكثر الوطء بها كأنها سهرت من ذلك ، والأسهران عرقان في الأنف ، والساهور غلاف القمر الذي يدخل فيه عند كسوفه. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الساهرة أرض من فضة لم يعص الله عليها قط جعلها حينئذ ، وقيل : الساهرة اسم للأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق ، وذلك حين تبدّل الأرض غير الأرض وقال وهب بن منبه : جبل بيت المقدس. وقال عثمان بن أبي العاتكة : إنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشام ، وهو الصقع الذي بين جبل أريحاء وجبل حسان يمدّه الله تعالى كيف شاء.
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.