أربعون سنة ، والمعنى : أمهله في الأولى ثم أخذه في الآخرة فعذبه بكلمتيه. وقال الحسن رضي الله عنه : (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) هو أن أغرقه في الدنيا وعذبه في الآخرة. وعن قتادة رضي الله عنه : الآخرة هي قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) والأولى تكذيبه لموسى عليهالسلام.
ثم إنه تعالى ختم هذه القصة بقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : الأمر العظيم الذي فعله فرعون والذي فعل به حين كذب وعصى (لَعِبْرَةً) أي : لعظة (لِمَنْ يَخْشى) أي : لمن يخاف الله تعالى لأنّ الخشية أساس الخير كما مرّت الإشارة إليه.
ثم خاطب تعالى منكري البعث بقوله تعالى :
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))
(أَأَنْتُمْ) أي : أيها الأحياء مع كونكم خلقا ضعيفا (أَشَدُّ خَلْقاً) أي : أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم (أَمِ السَّماءُ) أي : فمن قدر على خلق السماء على عظمها من السعة والكبر والعلوّ والمنافع قدر على الإعادة ، وهذا كقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] ، والمقصود من الآية الاستدلال على منكري البعث ، ونظيره قوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١] ومعنى الكلام التقريع والتوبيخ ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، والباقون بتحقيقهما ، وأدخل بينهما ألفا قالون وأبو عمرو وهشام ، والباقون بغير إدخال.
وقوله تعالى : (بَناها) بيان لكيفية خلقه إياها فالوقف على السماء والابتداء بما بعدها وقوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها) جملة مفسرة لكيفية البناء ، والسمك الارتفاع أي : جعل مقدارها في سمت العلوّ مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام (فَسَوَّاها) أي : فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور ، أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها من قولك : سوّى فلان أمر فلان.
(وَأَغْطَشَ) أي : أظلم (لَيْلَها) أي : جعله مظلما بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه ، فصار لا يهتدي معه إلى ما كان في حال الضياء ، وأضاف الليل إلى السماء لأنّ الليل يكون بغروب الشمس والشمس تضاف إلى السماء. ويقال : نجوم الليل ، لأنّ ظهورها بالليل.
وقوله تعالى : (وَأَخْرَجَ ضُحاها) فيه حذف ، أي : ضحى شمسها ، أو أضاف الليل والضحى لها للملابسة التي بينها وبينهما لأنّ الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها ، وإنما عبر عن النهار بالضحى ؛ لأنّ الضحى أكمل أجزاء النهار بالنور والضوء.
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد المذكور كله (دَحاها) أي : بسطها ومهدها للسكنى وبقية المنافع ، وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو فلا معارضة بينها وبين آية فصلت ؛ لأنه خلق