(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي : أحياه بعد موته للبعث ، ومفعول شاء محذوف أي : شاء إنشاره وأنشره جواب إذا ، وقرأ قالون وأبو عمرو والبزي بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر ، وسهل الثانية ورش وقنبل ولهما أيضا إبدالها ألفا والباقون بتحقيقهما.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع للإنسان عما هو عليه ، وقيل : معناها حقا. قال الأوّل الزمخشري وتبعه البيضاوي ، وقال الثاني الجلال المحلي. (لَمَّا يَقْضِ) أي : يفعل (ما أَمَرَهُ) به ربه من الإيمان وترك التكبر. وقيل : لم يوف بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم عليهالسلام. وقيل : المعنى : إن ذلك الإنسان الكافر لم يقض ما أمره به من التأمّل في دلائل الله تعالى والتدبر في عجائب خلقه.
ولما كانت عادة الله تعالى جارية في القرآن أنه كلما ذكر دلائل الإنسان ذكر عقبها دلائل الآفاق بدأ من ذلك بما يحتاج إليه الإنسان بقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) أي : يوقع النظر التامّ بكل شيء يقدر على النظر به من بصره وبصيرته (إِلى طَعامِهِ) أي : الذي هو قوام حياته كيف هيأ له أسباب المعاش ليستعدّ بها للمعاد. قال الحسن ومجاهد : فلينظر إلى طعامه إلى مدخله ومخرجه. وروي عن الضحاك أنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا ضحاك ، ما طعامك؟» قلت : يا رسول الله ، اللحم واللبن ، قال : «فشرابك ماذا؟» قلت : الماء قد علمته ، قال : «فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا» (١).
وروي عن ابن عمر أنّ الرجل يدخل الخلاء فينظر ما يخرج منه فيأتيه الملك فيقول انظر إلى ما تحليت به إلام صار؟
وقرأ (أَنَّا صَبَبْنَا) أي : بما لنا من العظمة (الْماءَ) عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة على أنه بدل اشتمال بمعنى أنّ صب الماء سبب في إخراج الطعام فهو مشتمل عليه بهذا التقدير ، أو أنه على تقدير لام العلة ، أي : فلينظر لأنا ثم حذف الخافض ، وقال البغوي : أنا بالفتح على تكرير الخافض مجازه فلينظر إلى أنا وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف تعديدا لنعمه تعالى عليه ، وقوله تعالى (صَبًّا) تأكيد ، والمراد بالماء المطر.
ولما كان الإنسان محتاجا إلى جميع ما في الوجود ولو نقص منه شيء اختل أمره وبدأ أولا بالسماوي لأنه أشرف وبالماء الذي هو حياة كل شيء تنبيها له على ابتداء خلقه. ثنى بالأرض التي هي كالأنثى بالنسبة إلى السماء فقال تعالى (ثُمَ) أي : بعد مهلة من إنزال الماء (شَقَقْنَا) أي : بما لنا من العظمة (الْأَرْضَ) أي : بالنبات الذي هو في غاية الضعف عن شق أضعف الأشياء فكيف بالأرض اليابسة ، وقوله تعالى (شَقًّا) تأكيد.
ثم سبب عن الشق ما هو كالتفسير له فقال تعالى : (فَأَنْبَتْنا) أي : بما لنا من القدرة التامة (فِيها) أي : بسبب الشق (حَبًّا) أي : قمحا وشعيرا وسلتا وسائر ما يحصد ويدخر ، وقدّم ذلك لأنه كالأصل في التغذية (وَعِنَباً) وذكره بعد الحب لأنه غذاء من وجه وفاكهة من وجه (وَقَضْباً) قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الرطب لأنه يقتضب من النخل ، أي : يقطع ورجحه بعضهم
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٥٢ ، والطبراني في المعجم الكبير ٨ / ٣٥٩ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٤ / ١٧٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٨٨ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٢٠.