لذكره بعد العنب لأنهما يقترنان كثيرا ، وقيل : القت الرطب ، وقيل : كل ما يقضب من البقول لبني آدم ، وقيل : هو الرطبة والمقضاب أرضه ، سمي بمصدر قضبه إذا قطعه لأنه يقضب مرة بعد أخرى. وقال الحسن : القضب العلف للدواب.
(وَزَيْتُوناً) وهو ما يعصر منه الزيت يكون فيه حرافة وغضاضة فيه إصلاح المزاج. وقوله تعالى : (وَنَخْلاً) جمع نخلة ، وكل من هذه الأشجار مخالف للآخر في الشكل والحمل وغير ذلك مع المرافقة في الأرض والسقي.
وقوله تعالى (وَحَدائِقَ غُلْباً) جمع أغلب وغلباء كحمر في أحمر وحمراء ، أي : بساتين كثيرة الأشجار. والأصل في الوصف بالغلب الرقاب ، يقال : رجل أغلب وامرأة غلباء غليظا الرقبة فاستعير. قال عمرو بن معد يكرب (١) :
يمشي بها غلب الرجال كأنهم |
|
بزل كسين من الكحيل جلالا |
وقال مجاهد ومقاتل : الغلب الملتفة الشجر بعضه في بعض. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الطوال. وقيل : غلاظ الأشجار.
(وَفاكِهَةً) وهي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخوخ ، قال النووي في منهاجه : ويدخل في فاكهة رطب وعنب ورمّان وأترج ورطب ويابس أي : كالتمر والزبيب ، قال : قلت : وليمون ونبق وبطيخ ولب فستق وبندق وغيرها في الأصح. (وَأَبًّا) وهو ما تأكله الدواب لأنه يؤب أي : يؤمّ وينتجع إليه. وقال عكرمة : الفاكهة ما يأكله الناس ، والأب ما تأكله الدواب ، وقيل : التبن. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الأب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا علم لي به. وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا عرفنا فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت بيده ، ثم قال : هذا لعمر الله التكلف وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ ، ثم قال : اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.
فإن قيل : هذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته؟ أجيب : بأنه لم يذهب إلى ذلك ولكن القوم كانت أكثر همتهم عاكفة على العمل ، وكان التشاغل بشيء من العلم الذي لا يعمل به تكلفا عندهم ، فأراد أنّ الآية مسوقة عندهم في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله تعالى للإنسان متاعا له أو لأنعامه ، فعليك بما هو أهمّ من النهوض بالشكر لله تعالى على ما بين لك ، ولم يشكل مما عدّد من نعمه ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له ، واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك من مشكلات القرآن.
(مَتاعاً) أي : العشب ، أي : منفعة أو تمتيعا كما تقدّم في السورة قبلها (لَكُمْ) أي : الفاكهة (وَلِأَنْعامِكُمْ) وتقدّم أيضا في السورة التي قبلها معرفة الأنعام والحكمة في الاقتصار عليها.
ولما ذكر تعالى هذه الأشياء وكان المقصود منها ثلاثة : أوّلها : الدلائل الدالة على التوحيد ، وثانيها : الدلائل الدالة على القدرة والمعاد. وثالثها : أنّ هذا الإله الذي أحسن إلى عبيده بهذه
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان عمرو بن معد يكرب ص ١٤٦.