قال العجاج في مدحه لعمرو بن معديكرب (١) :
إذا الكرام ابتدروا الباع ابتدر |
|
تقضي البازي إذا البازي كسر |
أبصر خربان فضاء فانكدر |
أي : فانقض وسقط ، والخربان جمع خرب وهو ذكر الحبارى ، والباع يستعمل في الكرم ، يقال : فلان كريم الباع ؛ والمعنى : أنّ الكرام إذا ابتدروا فعل المكرمات بدرهم عمرو ، أي : أسرع كانقضاض البازي.
وروي عن ابن عباس أنّ النجوم قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور بأيدي الملائكة عليهمالسلام ، فإذا مات من في السموات ومن في الأرض تساقطت تلك الكواكب من أيدي الملائكة ، لأنه مات من كان يمسكها.
(وَإِذَا الْجِبالُ) التي هي في العالم السفلي كالنجوم في العالم العلوي ، وهي أصلب ما في الأرض. (سُيِّرَتْ) أي : ذهب بها عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا ، وصارت الأرض قاعا صفصفا.
(وَإِذَا الْعِشارُ) أي : النوق الحوامل جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء ، وهي التي أتى على حملها عشرة أشهر ، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة ، وهي أنفس ما يكون عند أهلها. روي أنه صلىاللهعليهوسلم «مرّ في أصحابه بعشار من النوق فغض بصره ، فقيل له : هذه أنفس أموالنا فلم لا تنظر إليها؟ فقال : قد نهاني الله عن ذلك ثم تلا : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) [الحجر : ٨٨] الآية» (٢).
(عُطِّلَتْ) أي : تركت مسيبة مهملة بلا راع ، أو عطلها أهلها عن الحلب والصر لاشتغالهم بأنفسهم ، أو السحاب عطلت عن المطر والعرب تشبه السحاب بالحامل ، والأوّل على وجه المثل لأنّ في القيامة لا تكون ناقة عشراء ، والمعنى : أنّ يوم القيامة بحالة لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.
(وَإِذَا الْوُحُوشُ) أي : دواب الأرض التي لا تأنس بأحد التي تظن أنها لا عبرة بها ولا التفات إليها فما ظنك بغيرها (حُشِرَتْ) أي : جمعت بعد البعث ليقتص لبعضها من بعض ثم تصير ترابا. قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص. وقيل : إذا قضي بينها ردّت ترابا فلا يبقى منه إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته كالطاووس ونحوه. وعن ابن عباس حشرها موتها ، يقال إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم : حشرتهم السنة.
وقرأ (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي : على كثرتها ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها. قال ابن عباس : أوقدت فصارت نارا تضطرم. وقال مجاهد : فجر بعضها في بعض العذب والملح ، فصارت البحار كلها بحرا واحدا. وقال القشيري : يرفع الله تعالى الحاجز الذي ذكره ، فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار فعمت الأرض كلها وصارت بحرا واحدا. وروى
__________________
(١) الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ٤٢ ، ٤٣ ، ولسان العرب (ضبر) ، (ظفر) ، (عمر) ، وأدب الكاتب ص ٤٨٧ ، والأشباه والنظائر ١ / ٤٨ ، وديوان الأدب ٢ / ١٥٦ ، والإيضاح ٢ / ١٥٨.
(٢) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٩ / ٣٣٠ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ٤ / ٢١٦ ، وابن كثير في تفسيره ٤ / ٤٧٦.