كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا وهو في مصحف عبد الله بالظاء ، وفي مصحف أبيّ بالضاد ، وكان صلىاللهعليهوسلم يقرأ بهما.
قال الزمخشري : وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما مما لا بدّ منه للقارئ ، فإنّ أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين وإن فرقوا ففرقا غير صواب ، وبينهما بون بعيد ، فإنّ مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ، وكان عمر بن الخطاب أضبط يعمل بكلتا يديه ، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه ، وهي أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين. وأمّا الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ، وهي أحد الأحرف الذولقية أخت الذال والثاء ، ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ، واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة ، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب.
فإن قلت : فإن وضع المصلي أحد الحرفين مكان صاحبه ، قلت : هو كوضع الذال مكان الجيم والثاء مكان السين لأنّ التفاوت بين الضاد والظاء كالتفاوت بين أخواتهما ا ه. كلامه بحروفه.
(وَما هُوَ) أي : القرآن الذي من جملة معجزاته الإخبار بالمغيبات. وأغرق في النفي بالتأكيد بالباء فقال تعالى : (بِقَوْلِ شَيْطانٍ) أي : مسترق للسمع فيوحيه إليه كما يوحيه إلى بعض الكهنة (رَجِيمٍ) أي : مرجوم مطرود بعيد من الرحمة ، وذلك أنّ قريشا كانوا يقولون : إنّ هذا القرآن يجيء به شيطان فيلقيه على لسانه ، يريدون بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه ، فنفى الله تعالى ذلك.
وقوله تعالى : (فَأَيْنَ) منصوب بقوله تعالى : (تَذْهَبُونَ) لأنه ظرف مبهم ، وقال أبو البقاء : أي إلى أين فحذف الجار ، أي : فأيّ طريق تسلكون في إنكاركم القرآن وإعراضكم عنه ، وفي هذا استضلال لهم فيما يسلكون من أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم والقرآن كقولك لتارك الجادّة أين تذهب.
(إِنْ) أي : ما (هُوَ) أي : القرآن الذي آتاكم به الرسول (إِلَّا ذِكْرٌ) أي : عظة وشرف (لِلْعالَمِينَ) من إنس وجنّ وملك.
وقوله تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) بدل من العالمين بإعادة الجار (أَنْ يَسْتَقِيمَ) باتباع الحق. قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، وهذا هو القدر وهو رأس القدرية فنزل (وَما تَشاؤُنَ) الاستقامة على الحق (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : إلا وقت أن يشاء الملك الأعظم الذي بيده كل شيء مشيئتكم الاستقامة عليه (رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : مالك الخلق. وفي هذا إعلام أنّ أحدا لا يعمل خيرا إلا بتوفيق الله تعالى ، ولا شرا إلا بخذلانه. ونقل البغوي في أوّل السورة بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» (١).
وأمّا قول البيضاوي تبعا للزمخشري إنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة التكوير أعاذه الله أن يفضحه حين تنشر صحيفته» (٢). فحديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٧ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٥١٥.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧١٤.