«يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (١) ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك. وقيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا فقال : إنا نهينا عن التجسس وإن يظهر لنا شيئا نأخذه به.
تنبيه : قرأ ولا تنابزوا ولا تجسسوا ولتعارفوا البزي في الوصل بتشديد التاء والباقون بغير تشديد.
ولما كانت الغيبة أعمّ من التجسس قال : (وَلا يَغْتَبْ) أي : ولا يتعمد أن يذكر (بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي : في غيبته بما يكره. قال القشيري : وليس تحصل الغيبة للخلق إلا من الغيبة عن الحق وقال أبو حيان : قال ابن عباس : الغيبة إدام كلاب الناس.
وعن أبي هريرة «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال : ذكرك أخاك بما يكره قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقوله قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» (٢) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنهم ذكروا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا فقالوا لا نأكل حتى يطعم ولا نرحل حتى يرحل فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «اغتبتموه فقالوا : إنما حدّثنا بما فيه قال : حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه» (٣) وفي هذا إشارة إلى وجوب حفظ عرض المؤمن فإنّ تمزيق عرض الإنسان كتمزيق أديمه ولحمه كما قال تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ) وقرأ ميتا نافع بتشديد الياء والباقون بالسكون.
ولما كان الجواب قطعا لا يحب أحد ذلك أشار إليه بما سببه من قوله تعالى : (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي : بسبب ما ذكر طبعا فأولى أن تكرهوا الغيبة المحرّمة عقلا لأنّ داعي العقل بصير عالم وداعي الطبع أعمى جاهل.
تنبيه : في هذا التشبيه إشارة إلى أنّ عرض الإنسان كدمه ولحمه لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض كما يتألم جسمه من قطع اللحم وهذا من باب القياس الظاهر لأنّ عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه ، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى ، لأنّ ذلك أشدّ ألما وقوله تعالى لحم أخيه آكد في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ وفي قوله تعالى : (مَيْتاً) إشارة إلى دفع وهم وهو أن يقال : إنّ الشتم في الوجه يؤلم فيحرم وأمّا الاغتياب فلا اطلاع عليه فلا يؤلم ، فيقال لحم الأخ وهو ميت أيضا لا يؤلم ومع هذا هو في غاية القبح كما أنه لو اطلع عليه لتألم فإنّ الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه وفيه معنى لطيف وهو أنّ الاغتياب أكل لحم الآدمي ميتا ولا يحل أكله إلا للمضطرّ بقدر الحاجة والمضطرّ إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدمي فكذلك المغتاب إذا وجد
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨٨٠.
(٢) أخرجه مسلم في البر حديث ٢٥٨٩ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٨٧٤ ، والترمذي في البر حديث ١٩٣٤ ، والدارمي في الرقاق حديث ٢٧١٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٠ ، ٣٨٤ ، ٣٨٦.
(٣) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ١٨٩ ، والبغوي في شرح السنة ١٣ / ١٤٠ ، وتفسيره ٦ / ٢٢٩ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٣ / ٣٢٨.