وعن البراء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سجين أسفل سبع أرضين وعليون في السماء السابعة تحت العرش» (١). وقال الكلبي : هو صخرة تحت الأرض السابعة خضراء خضرة السموات منها يجعل كتاب الفجار فيها. وقال وهب : هي آخر سلطان إبليس. وعن كعب الأحبار : أنّ روح الفاجر يعني : الكافر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم هبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فتدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجين ، وهو موضع جند إبليس وذلك استهانة بها ، ويشهدها الشياطين المدحورون كما يشهد ديوان الخير الملائكة المقرّبون. وقال عكرمة : لفي سجين ، أي : في خسار وضلال.
(وَما أَدْراكَ) أي : جعلك داريا وإن اجتهدت في ذلك. (ما سِجِّينٌ) وقال الزجاج : أي : ليس لك ذلك ما كنت تعلمه أنت ولا قومك.
وقوله تعالى : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ليس تفسيرا لسجين بل هو بيان للكتاب المذكور في قوله تعالى : (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ) أي : هو كتاب مرقوم ، أي : مسطور بين الكتابة مكتوب فيه أعمالهم مثبت عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازون به ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه. وقيل : الرقم الختم بلغة حمير ، واقتصر على هذا الجلال المحلي. وقال قتادة : رقم عليه بشرّ كأنه علم بعلامة يعرف بها أنه كافر. والمعنى : أنّ ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان ، وسمي سجينا فعيلا من السجن وهو الحبس والتضييق في جهنم ، أو لأنه مطروح تحت الأرض كما مرّ.
فإن قيل : سجين هل هو اسم أو صفة؟ أجيب : بأنه اسم علم منقول من وصف كحاتم ، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف.
(وَيْلٌ) أي : أعظم الهلاك (يَوْمَئِذٍ) أي : إذ تقوم الناس لما تقدّم (لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : بذلك أو بالحق. وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ) أي : بسبب الإخبار بيوم (الدِّينِ) أي : الجزاء الذي هو سر الوجود بدل أو بيان للمكذبين.
ثم أخبر عن صفة من يكذب بيوم الدين بثلاث صفات ذكر أولها بقوله تعالى : (وَما) أي : والحال أنه ما (يُكَذِّبُ بِهِ) أي : بذلك اليوم (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) أي : متجاوز عن النظر غال في التقليد ، حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه ، فاستحال منه الإعادة. ثم ذكر الصفة الثانية بقوله تعالى : (أَثِيمٍ) أي : منهمك في الشهوات المحرجة بحيث اشتغل عما وراءها وحملته على الإنكار لما عداها. ثم ذكر الصفة الثالثة بقوله تعالى : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) أي : القرآن (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : الحكايات سطرت قديما جمع أسطور بالضم ، وذلك لفرط جهله وإعراضه عن الحق فلا تنفعه شواهد النقل كما لا تنفعه دلائل العقل ، وهذا عام في كل موصوف بذلك ، وقال الكلبي : هو الوليد بن المغيرة. وقيل : هو النضر بن الحارث.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع وزجر ، أي : ليس هو أساطير الأوّلين ، وقال الحسن : معناها حقا كما مرّ. (بَلْ رانَ) أي : غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم السماء (عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : كل من قال هذا القول (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : كما يركب الصدأ من إصرارهم على الكبائر وتسويف التوبة
__________________
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٧ / ٢١٩ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٢٥٨.