الآخرة ، وهذا اختيار الطبري. وقيل : يبدئ البطش ويعيده فيبطش بهم في الدنيا والآخرة ، أو دل باقتداره على الإبداء والإعادة على شدّة بطشه ، أو أوعد الكفرة بأن يعيدهم كما بدأهم ليبطش لهم ؛ إذ لم يشكروا نعمة الإبداء وكذبوا بالإعادة.
(وَهُوَ) أي : وحده (الْغَفُورُ) أي : الستور لعباده المؤمنين. وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء والباقون بضمها.
وقوله تعالى : (الْوَدُودُ) مبالغة في الود. قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو المتودّد لعباده بالمغفرة ، وعن المبرد : هو الذي لا ولد له. وأنشد (١) :
وأركب في الودّ عريانة |
|
ذلول الجماع لقاحا ودودا |
أي : لا ولد لها تحنّ إليه. وقيل : هو فعول بمعنى مفعول كالركوب والحلوب بمعنى المركوب والمحلوب. وقيل : يغفر ويودّ أن يغفر.
(ذُو الْعَرْشِ) ومالكه ، أي : ذو الملك والسلطان كما يقال فلان على سرير ملكه ، وإن لم يكن على سرير ، ويقال : ثلّ عرشه ، أي : ذهب سلطانه ، أو السرير الدال على اختصاص الملك بالملك ، وانفراده بالتدبير والسيادة والسياسة الذي به قوام الأمور ، وقرأ (الْمَجِيدُ) حمزة والكسائي بجرّ الدال على أنه نعت للعرش أو لربك في قوله تعالى : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) قال مكي : وقيل : لا يجوز أن يكون نعتا للعرش لأنه من صفات الله تعالى ا ه. وهذا ممنوع لأنّ مجد العرش علوّه وعظمه كما قاله الزمخشري. وقد وصف العرش بالكريم في آخر المؤمنين. وقرأ الباقون برفع الدال على أنه خبر بعد خبر. وقيل : هو نعت لذو ، واستدل بعضهم على تعدّد الخبر بهذه الآية ، ومن منع قال لأنها في معنى خبر واحد ، أي : جامع بين هذه الأوصاف الشريفة ، أو كل منها خبر لمبتدأ مضمر ، والمجد : هو النهاية في الكرم والفضل ، والله سبحانه موصوف بذلك وتقدّم وصف عرشه بذلك.
(فَعَّالٌ) أي : على سبيل التكرار والمبالغة (لِما يُرِيدُ) قال القفال : أي : يفعل ما يريد على ما يراه لا يعترض عليه أحد ، ولا يغلبه غالب فيدخل أولياءه الجنة لا يمنعه مانع ، ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر ، ويمهل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم ، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء ، فهو يفعل ما يريد.
وعن أبي اليسر : دخل ناس من الصحابة على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه يعودونه فقالوا : ألا نأتيك بطبيب؟ قال : قد رآني. قالوا : فماذا قال لك؟ قال : إني فعال لما أريد. وقال الزمخشري : فعال خبر مبتدأ محذوف ، وإنما قال فعال لأنّ ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. وقال الطبري : رفع فعال وهو نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود.
تنبيه : دلت هذه الآية أنّ جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. قال بعضهم : ودلت على أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء لأنها دالة على أنه يفعل ما يريد.
(هَلْ) أي : قد (أَتاكَ) أي : يا أشرف الرسل (حَدِيثُ) أي : خبر (الْجُنُودِ) أي:
__________________
(١) يروى البيت بلفظ :
وأعددت للحرب خيفانة |
|
جموم الجراء وقاحا ودودا |
والبيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (ودد) ، وتاج العروس (ودد).