وقيل : ذات الأموات لإصداعهم عنها للنشور. قال الرازي : واعلم أنه تعالى كما جعل كيفية خلقة الحيوان دليلا على معرفة المبدأ والمعاد ، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات فقوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) كالأب ، وقوله تعالى : (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) كالأمّ وكلاهما من النعم العظام ، لأنّ نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء مكرّرا ، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك.
ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه وهو قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) وفي هذا الضمير قولان أحدهما : ما قاله القفال : وهو أن المعنى : أنّ ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى السرائر قول فصل وحق. والثاني : أنه عائد على القرآن ، أي : القرآن فاصل بين الحق والباطل كما قيل له : فرقان. قال الرازي : والأوّل أولى ؛ لأنّ عود الضمير إلى المذكور السالف أولى انتهى. وأكثر المفسرين على الثاني.
والفصل : الحكم الذي ينفصل به الحق من الباطل ، ومنه فصل الخصومات وهو قطعها بالحكم الجزم. ويقال : هذا قول فصل قاطع للشرّ والنزاع معناه جدّ ؛ لقوله تعالى : (وَما هُوَ) أي : في باطنه ولا ظاهره (بِالْهَزْلِ) أي : باللعب والباطل بل هو جدّ كله لا هوادة فيه ومن حقه وقد وصفه الله تعالى بذلك أن يكون مهيبا في الصدور ، معظما في القلوب ، يترفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح ، وأن يلقي ذهنه إلى أنّ جبار السموات والأرض يخاطبه فيأمره وينهاه ، ويعده ويوعده حتى إن لم يستفزه الخوف ، ولم تتبالغ فيه الخشية ، فأدنى أمره أن يكون جادا غير هازل ، فقد نفى الله تعالى عن المشركين ذلك في قوله تعالى : (وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) [النجم : ٦١](وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] هذا على عود الضمير للقرآن ، وعلى جعله للأوّل فيكون الشخص خائفا وجلا من ذلك الذي تبلى فيه السرائر.
(إِنَّهُمْ) أي : الكفار أعداء الله تعالى (يَكِيدُونَ كَيْداً) أي : يمكرون بمحمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه. واختلف في ذلك الكيد ، فقيل : إلقاء الشبهات كقولهم (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : ٢٩](مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨](أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] وما أشبه ذلك وقيل : قصدهم قتله لقوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠] الآية.
وأما قوله تعالى : (وَأَكِيدُ) أي : أنا بإتمام اقتداري (كَيْداً) فاختلف فيه أيضا ، فقيل : معناه أجازيهم جزاء كيدهم ، وقيل : هو ما أوقع الله تعالى بهم يوم بدر من القتل والأسر ، وقيل : استدراجهم من حيث لا يعلمون ، وقيل : كيد الله تعالى لهم بنصره وإعلاء درجته تسمية لأحد المتقابلين باسم الآخر لقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠]. وقول الشاعر (١) :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
وكقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧](يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢].
ولما كان هذا معلما بأنهم عدم لا اعتبار بهم ، قال تعالى مسببا عنه تهديدا لهم (فَمَهِّلِ
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٧٨ ، ولسان العرب (رشد) ، وأمالي المرتضى ١ / ٥٧ ، والبصائر والذخائر ٢ / ٨٢٩ ، وجمهرة أشعار العرب ١ / ٤١٤ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٣٧ ، وشرح ديوان امرئ القيس ص ٣٢٧ ، وشرح القصائد السبع ص ٤٢٦ ، وشرح القصائد العشر ص ٣٦٦ ، وشرح المعلقات السبع ص ١٧٨ ، وشرح المعلقات العشر ص ٩٢.