فيها أم لم يرد ، وأما في أحكامه سبحانه فأن تعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود إليه بل لمحض المالكية. قال البغوي : ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحد ، لأنّ أحدا لا يقول سبحان الله وسبحان اسم ربنا إنما يقول : سبحان الله وسبحان ربنا. فكان معنى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) ا ه. وكون الاسم عين المسمى أو غيره قد ذكرتها في مقدّمتي على البسملة والحمدلة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : سبح أي : صل بأمر ربك. وذهب جماعة من الصحابة والتابعين على أنّ المراد قل : سبحان ربي الأعلى ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فقال : «سبحان ربي الأعلى». وعن عقبة بن عامر «أنه لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤] قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اجعلوها في ركوعكم.» ولما نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال : اجعلوها في سجودكم» (١). وروي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقول ذلك. وروي «أنّ أوّل من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل».
ولما أمر تعالى بالتسبيح فكأن سائلا قال : الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد المعرفة فما الدليل على وجود الرب تعالى؟
فقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ) أي : أوجد من العدم فله صفة الإيجاد لكل ما أراده لا يعسر عليه شيء (فَسَوَّى) أي : مخلوقه. وقال الرازي : يحتمل أن يريد الناس خاصة ، ويحتمل أن يريد الحيوان ، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه تعالى ، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوها : أحدها : اعتدال قامته وحسن خلقه ، كما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤]. ثانيها : كل حيوان مستعدّ لنوع واحد من الأعمال فقط ، أمّا الإنسان فإنه خلق بحيث يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات. ثالثها : أنه تعالى هيأه للتكليف والقيام بأداء العبادات. وقال بعضهم : خلق في أصلاب الآباء وسوّى في أرحام الأمّهات.
ومن حمله على جميع الحيوانات فمعناه : أنه أعطى كل حيوان ما يحتاج إليه من الآلات والأعضاء ، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية : هو أنه تعالى قادر على كل الممكنات ، عالم بجميع المعلومات ، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفا بالإحكام والإتقان ، مبرّأ عن النقص والاضطراب.
وقرأ (وَالَّذِي قَدَّرَ) الكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد قال البغوي : وهما بمعنى واحد ، أي : أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها وغير ذلك من أحوالها ، فجعل البطش لليد ، والمشي للرجل ، والسمع للأذن ، والبصر للعين ونحو ذلك (فَهَدى) قال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراعيها. وقال مقاتل والكلبي : في قوله تعالى : (فَهَدى) عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى ، كما قال تعالى في سورة طه : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] أي : الذكر للأنثى. وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له. وقيل : قدّر أقواتهم وأرزاقهم وهداهم لمعاشهم إن كانوا أناسا ، ولمراعيهم إن كانوا وحوشا. وقال السدّي : قدّر مدّة الجنين في الرحم ثم
__________________
(١) أخرجه أبو داود حديث ٨٦٩ ، وابن ماجه حديث ٨٨٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٥٥.