والوقوف حفاة عراة في العرصات في يوم كان مقداره ألف سنة. وقال ابن مسعود : تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل. وقال الحسن : لم تعمل لله في الدنيا ولم تنصب له فأعملها وأنصبها في جهنم. وقال ابن عباس : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى على الكفر ، مثل عبدة الأوثان والرهبان وغيرهم لا يقبل الله تعالى منهم إلا ما كان خالصا له. وعن علي أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (١) الحديث.
وقرأ (تَصْلى) أبو عمرو وشعبة بضم التاء الفوقية على ما لم يسم فاعله ، والباقون بفتحها على تسمية الفاعل ، والضمير على كلتا القراءتين للوجوه. والمعنى : تدخل (ناراً حامِيَةً ،) أي : شديدة الحرّ قد أحميت وأوقدت مدّة طويلة ، ومنه حمي النّهار بالكسر ، أي : اشتدّ حرّه. وحكى الكسائي اشتدّ حمى الشمس وحموها بمعنى. قال صلىاللهعليهوسلم : «أوقد عليها ألف سنة حتى احمرّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسوّدت فهي سوداء مظلمة» (٢). وقيل : المصلى عند العرب أن يحفروا حفيرا فيجمعون فيه جمرا كثيرا ، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه ، فأمّا ما شوي فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور فلا يسمى مصليا.
ولما بين تعالى مكانهم ذكر شرابهم فقال تعالى : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ،) أي : شديدة الحرارة كقوله تعالى : (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤] متناه في الحرارة. روي أنه لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لأذابتها.
ولما ذكر تعالى شرابهم أتبعه بذكر طعامهم فقال تعالى : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) قال مجاهد : هو نبت ذو شوك لاطىء بالأرض تسميه قريش الشبرق ، فإذا هاج سموه الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه. قال الكلبي : لا تقربه دابة إذا يبس. وقال ابن زيد : أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، وهو في الآخرة شوك من نار. وجاء في الحديث عن ابن عباس يرفعه : «الضريع شيء في النار يشبه الشوك أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة ، وأشد حرّا من النار» (٣) قال أبو الدرداء والحسن : «إنّ الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون فيعطشهم ألف سنة ، ثم يسقون من عين آنية لا هنيئة ولا مريئة ، فلما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وشواها فإذا وصل بطونهم قطعها فذلك قوله تعالى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد : ١٥]. قال بعض المفسرين : فلما نزلت هذه الآية قال المشركون : إنّ إبلنا لتسمن على الضريع ، وكذبوا في ذلك فإنّ الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا ويسمى شبرقا فإذا يبس لا يأكله شيء. قال أبو ذؤيب يصف حمارا (٤) :
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى |
|
وصار ضريعا بان عنه النحائص |
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦١٦٣ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٦٤ ، وأبو داود في السنة حديث ٤٧٦٤ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ١٦٩.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ٢٠ / ٣٠.
(٤) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.