السحاب فلما فيها من الآيات والدلالات الدالة على قدرته والمنافع العامّة لجميع خلقه ، وإن كان المراد بها الإبل فلأنّ الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوانات لأنّ ضروب الحيوان أربعة حلوبة وركوبة وأكولة وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال الأربع ، فكانت النعمة بها أعم وظهور القدرة فيها أتم وقيل للحسن : الفيل أعظم من الأعجوبة فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل ثم هو لا يؤكل لحمه ولا يركب ولا يحلب درّه.
(وَإِلَى السَّماءِ) التي هي من جملة مخلوقاتنا (كَيْفَ رُفِعَتْ ،) أي : رفعا بعيدا بلا إمساك وبغير عمد على ما لها من السعة والكبر والثقل والإحكام ، وما فيها من الكواكب والغرائب والعجائب.
(وَإِلَى الْجِبالِ ،) أي : الشامخة وهي أشد الأرض (كَيْفَ نُصِبَتْ) نصبا ثابتا فهي راسية لا تميل ولا تزول كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١] (وَإِلَى الْأَرْضِ ،) أي : على سعتها (كَيْفَ سُطِحَتْ) سطحا بتمهيد وتوطئة فهي مهاد للتقلب عليها. واستدلّ بعضهم بذلك على أنّ الأرض ليست بكرة. قال الرزاي : وهو ضعيف لأنّ الكرة إذا كانت في غاية العظمة تكون كل قطعة منها كالسطح. فإن قيل : كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة؟ أجيب : بأنّ من فسرها بالسحاب فالمناسبة ظاهرة ، وذلك على طريق التشبيه والمجاز ، ومن فسرها بالإبل فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين :
أحدهما : أنّ القرآن نزل على العرب وكانوا يسافرون كثيرا ويسيرون عليها في أوديتهم وبواديهم مستوحشين ومنفردين عن الناس ، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكر في الأشياء لأنه ليس معه من يحادثه وليس هناك ما يشغل به سمعه وبصره ، فلا بدّ من أن يجعل دأبه التفكر فإذا تفكر في تلك الحال فأوّل ما يقع بصره على البعير الذي هو راكبه فيرى منظرا عجيبا ، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء وإن نظر يمينا وشمالا لم ير غير الجبال ، وإن نظر إلى تحت لم ير غير الأرض فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النظر.
ثانيهما : أنّ جميع المخلوقات دالة على الصانع جلت قدرته إلا أنها قسمان منها ما للشهوة فيه حظ كالوجه الحسن والبساتين النزهة والذهب والفضة ، فهذه مع دلالتها على الصانع قد يمنع استسحانها عن كمال النظر فيها ومنها ما لا حظ فيه للشهوة كهذه الأشياء فأمر بالنظر فيها ؛ إذ لا مانع من إكمال النظر فيها. وقال عطاء عن ابن عباس : كأن الله تعالى يقول هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل ، أو يرفع مثل السماء ، أو ينصب مثل الجبال ، أو يسطح مثل الأرض غيري.
ولما بين تعالى الدلائل على صحة التوحيد والمعاد قال سبحانه لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (فَذَكِّرْ ،) أي : بنعم الله تعالى ودلائل توحيده وعظهم بذلك وخوّفهم يا أشرف الخلق (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) فلا عليك أن لا ينظروا ولم يذكروا أو ما عليك إلا البلاغ كما قال تعالى : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨].
(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي : بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان كقوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) [ق : ٥٠] وهذا قبل الأمر بالجهاد. وقرأ هشام بالسين وقرأ حمزة بخلاف عن خلف بإشمام الصاد كالزاي ، والباقون بالصاد الخالصة.