المحسن إليك بكل جميل
وعن الحسن أنه كان إذا أتى على هذه الآية قال : إنّ الله تعالى عنده أسواط كثيرة فأخذهم بسوط منها. وقال قتادة : كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط ، وشبه بصب السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه.
(إِنَّ رَبَّكَ ،) أي : المحسن إليك بالرسالة (لَبِالْمِرْصادِ ،) أي : يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء ليجازيهم عليها والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد ، مفعال من رصده كالميقات من وقته ، وهذا مثل لإرصاد العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. وعن بعض العرب أنه قيل له : أين ربك؟ فقال : بالمرصاد. وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ هذه السورة عند المنصور حتى بلغ هذه فقال : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) يا أبا جعفر عرّض له في هذا النداء بأنه بعض من توعده بذلك من الجبابرة. قال الزمخشري : فلله دره ، أي : أسد فراس كان بين ثوبيه يدق الظلمة بإنكاره ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه.
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))
وقوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) متصل بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فكأنه قيل : إنّ الله تعالى يريد من الإنسان الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو لا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها (إِذا مَا ابْتَلاهُ ،) أي : اختبره بالنعمة (رَبُّهُ ،) أي : الذي أبدعه وأحسن إليه بما يحفظ وجوده ليظهر شكره أو كفره (فَأَكْرَمَهُ ،) أي : جعله عزيزا بين الناس وأعطاه ما يكرمونه به من الجاه والمال (وَنَعَّمَهُ ،) أي : جعله متلذذا مترفها بما وسع الله تعالى عليه.
وقوله تعالى : (فَيَقُولُ ،) أي : سرورا بذلك افتخارا (رَبِّي أَكْرَمَنِ ،) أي : فضلني بما أعطاني خبر المبتدأ الذي هو الإنسان ، ودخول الفاء لما في أمّا من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في تقدير التأخير ، كأنه قيل : فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتداء بالإنعام فيظن أنّ ذلك عن استحقاق فيرتفع به.
وكذا قوله تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ ،) أي : ضيق (عَلَيْهِ رِزْقَهُ) التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ، أي : بالفقر ليوازي قسيمه (فَيَقُولُ ،) أي : الإنسان بسبب الضيق (رَبِّي أَهانَنِ) فيهتم لذلك ويضيق به ذرعا ويكون أكبر همه ، وهذا في حق الكافر لقصور نظره وسوء فكره فيرى