بالإمالة بين بين والباقون بالفتح. وقرأ (الذِّكْرى) أبو عمرو وحمزة والكسائيّ بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بين بين ، والباقون بالفتح.
(يَقُولُ ،) أي : يقول مع تذكره (يا) للتنبيه (لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ،) أي : في حياتي فاللام بمعنى في ، أو قدّمت الإيمان والخير لحياة لا موت فيها ، أو وقت حياتي في الدنيا.
(فَيَوْمَئِذٍ ،) أي : يوم يقول الإنسان ذلك وقرأ (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) الكسائي بفتح الذال والثاء على البناء للمفعول ، والباقون بكسرهما على البناء للفاعل فأمّا قراءة الكسائي فضمير عذابه ووثاقه للكافر ، والمعنى : لا يعذب أحد مثل تعذيبه ولا يوثق مثل إيثاقه ، وأما على قراءة الباقين فالضمير فيهما لله تعالى أي : لا يكل عذابه إلى غيره ، أو الزبانية المتولين العذاب بأمر الله تعالى.
ولما وصف الله تعالى حال من اطمأن إلى الدنيا وصف حال من اطمأن إلى معرفته وعبوديته وسلم أمره إليه فقال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) قال الحسن ، أي : المؤمنة الموقنة. وقال مجاهد : الراضية بقضاء الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بثواب الله تعالى. وقال ابن كيسان : المخلصة. وقال ابن زيد : التي بشرت بالجنة عند الموت وعند البعث ويوم الجمع ، ويقال لها : عند الموت.
(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ،) أي : إلى أمره وإرادته وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : على صاحبك وجسدك. وقال الحسن : إلى ثواب ربك. (راضِيَةً ،) أي : بما أوتيته (مَرْضِيَّةً ،) أي : عند الله تعالى بعملك ، أي : جامعة بين الوصفين لأنه لا يلزم من أحدهما الآخر ، وهما حالان. قال القفال : هذا وإن كان أمرا في الظاهر فهو خبر في المعنى ، والتقدير : أنّ النفس إذا كانت مطمئنة رجعت إلى الله تعالى في القيامة بسبب هذا الأمر.
(فَادْخُلِي فِي ،) أي : في جملة (عِبادِي ،) أي : الصالحين والوافدين عليّ الذين هم أهل الإضافة إليّ ، أو في أجساد عبادي التي خرجت في الدنيا منها.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي ،) أي : معهم ، هي جنة عدن وهي أعلى الجنان ويجيء الأمر بمعنى الخبر كثيرا في كلامهم كقولهم إذا لم تستح فاصنع ما شئت. وقال سعيد بن زيد : «قرأ رجل عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم هذه الآية فقال أبو بكر : ما أحسن هذا يا رسول الله فقال له : إنّ الملك سيقوله لك يا أبا بكر» (١). وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بالطائف فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط فدخل نعشه ثمّ لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) الآية. وروى الضحاك أنها نزلت في عثمان حين وقف بئر رومة وقيل : في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه إلى المدينة ، فقال : اللهمّ إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك ، فحوّل الله تعالى وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوّله. وقيل : نزلت في حمزة ابن عبد المطلب. قال الزمخشري : والظاهر العموم. وقول البيضاوي تبعا له إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة» (٢) حديث موضوع.
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧٥٦.