العزى ابن عم خديجة ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله تعالى أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أو مخرجيّ هم؟ فقال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي» (١) زاد البخاري قال : «وفتر الوحي حتى حزن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا حتى يتردّى من رؤوس شواهق الجبال ، فكلما أو فى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل عليهالسلام فقال له : يا محمد إنك لرسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه ، وتقرّ نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا مثل ذلك ، فإذا وافى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له : مثل ذلك» (٢). ففي الحديث دليل صحيح على أن سورة اقرأ أوّل ما نزل من القرآن ، وفيه ردّ على من قال : إنّ المدثر أول ما نزل من القرآن ، وعلى من قال : إنّ الفاتحة أوّل ما نزل ثم سورة القلم. وفي هذا الحديث من مراسيل الصحابة ، ومرسل الصحابي حجة عند جميع العلماء إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني. وإنما ابتدئ صلىاللهعليهوسلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك فيأتيه بصريح النبوّة بغتة فلا تحملها القوى البشرية ، فبدئ بأوائل علامة النبوّة توطئة للوحي.
تنبيه : محل (بِاسْمِ رَبِّكَ) النصب على الحال ، أي : اقرأ مفتتحا باسم ربك أو مستعينا به ، قل : بسم الله ثم اقرأ. وقال أبو عبيدة : مجازه اقرأ اسم ربك ، يعني : أنّ الباء زائدة ، والمعنى : اذكر اسمه ، أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تعالى تأديبا. وقيل : الباء بمعنى على ، أي : اقرأ على اسم ربك كما في قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) [هود : ٤١] قاله الأخفش. فإن قيل : كيف قدم هذا الفعل على الجارّ ، وقدر مؤخرا في بسم الله الرحمن الرحيم ، أي : على سبيل الأولوية كما في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٤] ولأنه تعالى مقدم ذاتا لأنه قديم واجب الوجود لذاته فيقدم ذكرا؟ أجيب : بأن هذا في ابتداء القراءة وتعليمها لما مرّ أنها أول سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض ، وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه. وذكرت أجوبة غير هذا في مقدّمتي على البسملة والحمدلة
وقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ) يجوز أن لا يقدّر له مفعول ، ويراد أنه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه وأن يقدّر له مفعول ويراد خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنه مطلق فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض.
وقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي : هذا الجنس الذي من شأنه الأنس بنفسه ، وما رأى من أخلاقه وحسنه وما ألفه من أبناء جنسه تخصيص بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لأنّ التنزيل إليه وهو أشرف ما على الأرض ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان كما قال الله تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ) [الرحمن : ١ ـ ٣] فقيل : الذي خلق مبهما ، ثم فسره بقوله : (خَلَقَ
__________________
(١) انظر الحاشية السابقة.
(٢) أخرجه البخاري في التعبير حديث ٦٩٨٢.