سورة الزلزلة
مدنية ، في قول ابن عباس وقتادة ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر وهي ثمان آيات وخمس وثلاثون كلمة ومائة وتسع وأربعون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) المحيط بكل شيء قدرة وعلما (الرَّحْمنِ) الذي عمّ الخلق بنعمته الظاهرة قسما (الرَّحِيمِ) الذي أتم النعمة على خواصه حقيقة عينا واسما.
ولما قال تعالى : للمؤمنين (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) كأنّ المكلف قال : متى يكون ذلك فقيل : له :
(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨))
(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) أي : تحرّكت واضطربت لقيام الساعة ، فالعاملون كلهم يكونون في الخوف وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمنا لقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [النمل : ٨٩]. (زِلْزالَها) أي : تحريكها الشديد المناسب لعظم جرم الأرض وعظمة ذلك كما تقول : أكرم التقي إكرامه ، وأهان الفاسق إهانته تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة.
ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ) أي : كلها ، ولم يضمر تحقيقا للعموم (أَثْقالَها) أي : مما هو مدفون فيها من الكنوز والأموات. قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها. وقال ابن عباس ومجاهد : أثقالها أمواتها تخرجهم في النفخة الثانية ، ومنه قيل للجنّ والإنس : الثقلان. وقيل : أثقالها كنوزها ، ومنه الحديث : «تنفى الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا» (١) فيعطيها الله تعالى قوّة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوّة أن تخرج النبات الصغير اللطيف الطريّ
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : «تقيء الأرض أفلاذ كبدها ...» أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الزكاة حديث ٢ ، ٦ ، والترمذي في الفتن حديث ٢٢٠٨ (باب ٣٦).