وفي أمثالهم : أضعف من فراشة ، وأذل وأجهل. وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره. وروى مسلم عن جابر قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها ، وهو يذبهنّ عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي» (١). وفي تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي يلحقهم وانتشارهم في الأرض ، وركوب بعضهم بعضا ، والكثرة والضعف ، والذلة والمجيء من غير ذهاب ، والقصد إلى الداعي من كل جهة ، والتطاير إلى النار. قال جرير (٢) :
إنّ الفرزدق ما علمت وقومه |
|
مثل الفراش غشين نار المصطلي |
والمبثوث المتفرق ، وقال تعالى في موضع آخر : (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [القمر : ٧] فإن قيل : كيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معا لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟ أجيب : بأنّ التشبيه بالفراش في ذهاب كل واحد إلى غير جهة الآخر ، وأمّا التشبيه بالجراد فبالكثرة والتتابع.
(وَتَكُونُ الْجِبالُ) على ما هي عليه من الشدّة والصلابة وأنها صخورا راسخة (كَالْعِهْنِ) أي : الصوف المصبوغ ألوانا لأنها ملوّنة قال تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ) [فاطر : ٢٧] أي : وغير ذلك (الْمَنْفُوشِ) أي : المندوف المفرّق الأجزاء فتراها لذلك متطايرة في الجوّ كالهباء المنثور ، كما قال تعالى في موضع آخر : (هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٦] حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمتا.
ثم سبب عن ذلك تعالى مفصلا لهم : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي : برجحان الحسنات ، وفي الموازين قولان : أحدهما : أنه جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى ، وهذا قول الفراء. والثاني : قال ابن عباس : إنه جمع ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال ، فتوزن فيه الصحف المكتوبة فيها الحسنات والسيئات أو الأعمال أنفسها ، فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فإذا رجحت فالجنة له ، ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فيخف ميزانه فيدخل النار.
وقيل : إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار فيقتص منه على قدرها ، ثم يخرج منها فيدخل الجنة ، أو يعفو الله عنه فيدخل الجنة بفضله ورحمته. وأمّا الكافر فقد قال الله تعالى في حقه : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف : ١٠٥] ثم قيل : إنه ميزان واحد بيد جبريل عليهالسلام يزن به أعمال بني آدم ، فعبر عنه بلفظ الجمع. وقيل : موازين لكل حادثة ميزان ، وقيل : الموازين الحجج والدلائل قاله عبد العزيز بن يحيى ، واستشهد بقول الشاعر (٣) :
قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة |
|
عندي لكل مخاصم ميزانه |
(فَهُوَ) أي : بسبب رجحان حسناته (فِي عِيشَةٍ) أي : حياة يتقلب فيها. قال البقاعي : ولعله
__________________
(١) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٢٢٨٥.
(٢) البيت من الكامل ، وهو في ديوان جرير ص ٣٤٤.
(٣) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (وزن) ، وتاج العروس (وزن).