ألحقها بالهاء الدالة على الوحدة ، والمراد العيش ليفهم أنها على حالة واحدة في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا (راضِيَةٍ) أي : ذات رضا أو مرضية لأنّ أمّه جنة عالية.
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ) أي : طاشت (مَوازِينُهُ) أي : غلبت سيئاته ، أو لم تكن له حسنة لاتباعه الباطل وخفته عليه في الدنيا.
(فَأُمُّهُ) أي : التي تؤويه وتضمه إليها كما يقال للأرض أم لأنها تقصد لذلك ، ويسكن إليها كما يسكن إلى الأمّ وكذا المسكن (هاوِيَةٌ) أي : نار نازلة سافلة جدّا ، فهو بحيث لا يزال يهوي فيها نازلا فهو في عيشة ساخطة فالآية من الاحتباك ذكر العيشة أولا دليلا على حذفها ثانيا وذكر الأمّ ثانيا دليلا على حذفها أوّلا ، والهاوية اسم من أسماء جهنم وهي المهواة لا يدرك قعرها.
وقال قتادة : هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال : هوت أمّه. وقيل : أراد أمّ رأسه يعني أنهم يهوون في النار على رؤوسهم ، وإلى هذا التأويل ذهب قتادة وأبو صالح. وروي عن أبي بكر أنه قال : وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقله في الدنيا ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفته في الدنيا ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف.
(وَما أَدْراكَ) أي : وأيّ شيء أعلمك وإن اشتدّ تكلفك (ما هِيَهْ) أي : الهاوية ، والأصل ما هي فدخلت الهاء للسكت وقرأ حمزة في الوصل بغيرها بعد الياء التحتية ووقف بها ، والباقون بإثباتها وصلا ووقفا.
فإن قيل : قال هنا : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) وقال أوّل السورة : (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) ولم يقل ما أدراك ما الهاوية؟.
أجيب : بأنّ كونها قارعة أمر محسوس وكونها هاوية ليس كذلك فظهر الفرق.
وقوله تعالى : (نارٌ حامِيَةٌ) خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي ، أي : الهاوية نار شديدة الحرارة. روى مسلم أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ناركم هذه التي توقد جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنم ، قالوا : وإنها لكافية يا رسول الله؟ قال : فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرّها» (١) وقول البيضاوي تبعا للزمخشري : عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة القارعة ثقل الله بها ميزانه يوم القيامة» (٢) حديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في جهنم باب ٧ ، ومالك في جهنم حديث ١ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٣ ، ٤٦٧.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٧٩٧.