سورة العصر
مكية ، وروي عن ابن عباس وعبادة أنها مدنية ، وهي ثلاث آيات وأربع عشرة كلمة وثمانية وستون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) الذي كل شيء هالك إلا وجهه (الرَّحْمنِ) الذي عمّ الوجود بإنعامه فليس شيء شبهه (الرَّحِيمِ) الذي أعز أولياءه فكانوا للدّهر غرّة ولأهله جبهه.
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))
وقوله تعالى : (وَالْعَصْرِ) قسم ، واختلف في المراد به. فقال ابن عباس : والدهر أقسم به لأنّ فيه عبرة للناظر بتصرّف الأحوال وتبدلها وما فيها من الدلالة على الصانع ، وقيل : معناه ورب العصر ومرّ الكلام في أمثاله وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران وقال الحسن : بعد زوال الشمس إلى غروبها وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى ، وهذا أشبه قال صلىاللهعليهوسلم «من فاتته الصلاة الوسطى فكأنما وتر أهله وماله» (١) ولأنّ التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بعشائهم.
ونقل ابن عادل عن مالك أنّ من حلف أن لا يكلم الرجل عصرا لم يكلمه سنة. قال ابن العربيّ : إنما حمل مالك يمين الحالف على السنة لأنه أكثر ما قيل فيه. ونقل عن الشافعي يبرّ بساعة إلا أن تكون له نية.
وجواب القسم. (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي : الجنس (لَفِي خُسْرٍ) أي : نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم وصرف أعمارهم في إغراضهم لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر ، والإعراض عن الغائب ، والاغترار بالفاني.
تنبيه : تنكير خسر يحتمل التهويل والتحقير ، فإن حمل على الأوّل وهو الظاهر كان المعنى :
__________________
(١) وروي الحديث بلفظ : «الذي تفوته صلاة العصر ، كأنما وتر أهله وماله» أخرجه البخاري في المواقيت حديث ٥٥٢ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٢٦ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٤١٤ ، والترمذي في الصلاة حديث ١٧٥ ، والنسائي في الصلاة حديث ٤٧٩ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ٦٨٥.