خلف الجمحيّ. وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم من ورائه ، ويطعن عليه في وجهه. وقال مجاهد : هي عامّة في حق من هذه صفته.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَمَعَ مالاً) بدل من كل ، أو ذمّ منصوب أو مرفوع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على المبالغة والتكثير ولأنه يوافق قوله تعالى : (وَعَدَّدَهُ) والباقون بتخفيفها ، وهي محتملة للتكثير وعدمه ، ومعنى عدّده : أحصاه وجعله للحوادث. وقال الضحاك : أعدّ ماله لمن يرثه من أولاده ، وقيل : فاخر بعدده وكثرته والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة كقوله تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) [ق : ٢٥] وقوله تعالى : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعراج : ١٨] (يَحْسَبُ) أي : يظنّ لجهله (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي : أوصله إلى رتبة الخلد في الدنيا فيصير خالدا فيها لا يموت ، أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض عمل من يظنّ أنّ ماله أبقاه حيا ، أو هو تعريض بالعمل الصالح ، أو أنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم ، فأمّا المال فما أخلد أحدا فيه. وروي أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار ، وقيل : عشرة آلاف دينار. وعن الحسن : أنه عاد موسرا فقال : ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم ولا تفضلت بها على كريم؟ قال : لماذا؟ قال : لنبوة الزمان ، وجفوة السلطان ونوائب الدهر ، ومخافة الفقر قال : إذا تدعه لمن لا يحمدك ، وترد على من لا يعذرك. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين ، والباقون بكسرها.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع له عن حسبانه ، وقيل : معناه حقا. وقوله تعالى : (لَيُنْبَذَنَ) جواب قسم محذوف ، أي : ليطرحن بعد موته (فِي الْحُطَمَةِ) أي : الطبقة من جهنم التي شأنها أن تحطم ، أي : تكسر بشدّة وعنف كل ما طرح فيها فيكون أخسر الخاسرين ويقال للرجل الأكول : إنه لحطمة.
(وَما أَدْراكَ) أي : وأيّ شيء أعلمك ، ولو بمحاولة منك للعلم واجتهاد في التعرف مع كونك أعلم الحكماء (مَا الْحُطَمَةُ) أي : الدركة النارية التي سميت هذا الاسم بهذه الخاصة ، وأنه ليس في الوجود الذي شاهدتموه ما يقاربها ليكون مثالا لها ، ثم فسرها بقوله تعالى : (نارُ اللهِ) أي : الملك الأعظم الذي له الملك كله (الْمُوقَدَةُ) أي : التي وجد وتحتم إيقادها ، ومن الذي يطيق محاولة ما أوقد فهي لا يزال لها هذا الاسم ثابتا.
روى أبو هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة» (١).
(الَّتِي تَطَّلِعُ) أي : اطلاعا شديدا (عَلَى الْأَفْئِدَةِ) جمع فؤاد وهو القلب الذي يكاد يحترق من شدّة ذكائه فكان ينبغي أن يجعل ذكاءه في أسباب الخلاص ، واطلاعها عليه بأن تعلو وسطه وتشتمل عليه اشتمالا بليغا سمّي بذلك لشدّة توقدّه وخصّ لأنه ألطف ما في البدن وأشدّ تألما بأدنى شيء من الأذى ، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة ، ومعدن حبّ المال الذي هو منشأ حبّ الفساد والضلال ، وعنه تصدر الأفعال القبيحة. وقيل : معنى (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي : تعمل ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب يقال : اطلع على كذا ، أي : علمه.
__________________
(١) تقدم الحديث مع تخريجه.