اللهَ) أي : دينه ورسوله صلىاللهعليهوسلم (يَنْصُرْكُمْ) أي : على عدوّكم فإنه الناصر لا غيره ، من عدد أو عدد. ويثبت أقدامكم أي في القيام بحقوق الإسلام والمجاهدة مع الكفار.
ولما بين تعالى ما لأهل الإيمان بين ما لأهل الكفران بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) وهو مبتدأ أي : ستروا ما دل عليه العقل ، وقادت إليه الفطرة الأولى ، وخبره تعسوا يدل عليه قوله تعالى : (فَتَعْساً لَهُمْ) أي : هلاكا لهم وخيبة من الله تعالى ، وقال ابن عباس : أي بعدا لهم وقيل التعس الجرّ على الوجه ، والنكس : الجرّ على الرأس وقوله تعالى : (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) عطف على تعسوا أي : أبطلها وإن كانت ظاهرة الإتقان ؛ لأجل تضييع الأساس وهو الإيمان.
وقوله تعالى : (ذلِكَ) يجوز أن يكون مبتدأ والخبر الجار بعده ، أو خبر مبتدأ مضمر. أي : الأمر ذلك (بِأَنَّهُمْ) أي : بسبب أنهم (كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) أي : الملك الأعظم الذي لا نعمة إلا منه من القرآن وما أنزل الله تعالى فيه من التكاليف والأحكام لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذّ فشق عليهم ذلك ، وتعاظمهم والذي أنزله من القرآن وغيره هو روح الوجود الذي لا بقاء بدونه فلما كرهوا الروح الأعظم بطلت أرواحهم فتبعتها أشباحهم وهو معنى قوله تعالى مسببا بيانا لمعنى إضلال أعمالهم (فَأَحْبَطَ) أي : أبطل إبطالا لا صلاح معه (أَعْمالَهُمْ) بسبب : أنهم أفسدوها بنياتهم فصارت وإن كانت صورها صالحة ليس لها أرواح لكونها واقعة على غير ما أمر به الله الذي لا أمر إلا له ، ولا يقبل من العمل إلا ما حدّه ورسمه ثم خوّف الكفار بقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي : التي فيها آثار الوقائع (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) أي : آخر أمر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ) أي : أوقع الملك الأعظم الهلاك (عَلَيْهِمْ) بما عم أهاليهم وأموالهم ، وكل من رضي أفعالهم أو مقالهم. وعدل عن أن يقول ولهؤلاء إلى قوله تعالى (وَلِلْكافِرِينَ) تعميما وتعليقا للحكم بالوصف وهو الغراقة في الكفر (أَمْثالُها) أي : أمثال عاقبة من قبلهم.
(ذلِكَ) أي : الأمر العظيم وهو نصر المؤمنين وقهر الكافرين ، (بِأَنَّ اللهَ) أي : بسبب أنّ الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال (مَوْلَى) أي : ولي وناصر (الَّذِينَ آمَنُوا) فهو يفعل معهم بما له من الجلال والجمال ما يفعل القريب بقريبه الحبيب له قال القشيري : ويصح أن يقال : أرجى آية في القرآن هذه الآية ؛ لأن الله تعالى لم يقل إنه هادي العباد وأصحاب الأوراد والاجتهاد بل علق ذلك بالإيمان (وَأَنَّ الْكافِرِينَ) أي : الغريقين في هذا الوصف. (لا مَوْلى لَهُمْ) فيدفع العذاب عنهم وهذا لا يخالف قوله تعالى (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [يونس : ٣٠] فإنّ المولى فيه بمعنى المالك ثم ذكر سبحانه وتعالى ما للفريقين بقوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا