للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ سلط عليه كلبا من كلابك» (١) فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة لا بدّ أن تدركه فسافر إلى الشأم فأوصى به الرفاق لينجوه من هذه الدعوة فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم والحمول محيطة به وهم محيطون بها ، والركاب محيطة بهم ، فلم ينفعهم ذلك بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه وإنما كان الولد من الكسب لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه» (٢).
تنبيه : ما في (ما أَغْنى) يجوز فيها النفي والاستفهام فعلى الاستفهام ، تكون منصوبة المحل بما بعدها التقدير : أي شيء أغنى المال وقدم لكونه له صدر الكلام ، ويجوز في ما في قوله تعالى : (وَما كَسَبَ) أن تكون بمعنى الذي فالعائد محذوف ، وأن تكون مصدرية ، أي : وكسبه وأغنى بمعنى يغني.
ثم أوعده سبحانه بالنار فقال تعالى : (سَيَصْلى) أي : عن قريب بوعد لا خلف فيه (ناراً) يندس فيها وتنعطف عليه وتحيط به (ذاتَ لَهَبٍ ،) أي : لا تسكن ولا تخمد أبدا لأنّ ذلك مدلول الصحبة المعبر عنها بذات وذلك بعد موته. ولما أخبر تعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار زاده تحقيرا بذكر من يصونها بأزرى صورة وأشنعها بقوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ) وهو عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته ، وهي أمّ جميل وهي أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصليّ من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، وعدل عن ذكرها بكنيتها لأنّ صفتها القباحة وهي ضدّ كنيتها. قال البقاعي : ومن هنا يؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفا بما دل عليه لقبه. وقوله تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) فيه وجهان :
أحدهما : هو حقيقة. قال قتادة : وكانت تعير النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالفقر ، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدّة بخلها فعيرت بالبخل ، وقال ابن زيد : كانت تحمل العضاه والشوك تلقيه في الليل في طريق النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يطؤه كما يطأ الحرير ، وقال برّة الهمداني : كانت أمّ جميل تأتي في كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها في طريق المسلمين فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة عييت فقعدت على حجر تستريح فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
الوجه الثاني : أنّ ذلك مجاز عن المشي بالنميمة ورمي الفتن بين الناس ، ويقال للمشاء بين الناس بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب منهم ، أي : يوقد بينهم النائرة ويثير الشر قال الشاعر (٣) :
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة |
|
ولم تمش بين الناس بالحطب الرطب |
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في فتح الباري ٤ / ٣٩ ، والقرطبي في تفسيره ١٧ / ٨٢ ، والقاضي عياض في الشفاء ١ / ٦٣٢.
(٢) أخرجه أبو داود في البيوع حديث ٣٥٢٨ ، والنسائي في البيوع حديث ٤٤٥١. وابن ماجه في التجارات حديث ٢١٣٧.
(٣) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (حطب) ، (حظر) ، (برعم) ، ومجمع الأمثال ١ / ١٧٩ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٧٩ ، وأساس البلاغة (حظر) ، وتهذيب اللغة ٤ / ٣٩٤ ، ٤٥٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٢٨٨ ، وتاج العروس (حطب) ، (حظر).