سورة الناس
مكية ، وهي ست آيات وعشرون كلمة وتسعة وتسعون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) المحيط بكل ما بطن كإحاطته بكل ظاهر (الرَّحْمنِ) الذي عمت نعمته كل باد وحاضر (الرَّحِيمِ) الذي خص أهل ودّه بإتمام النعمة في جميع أمورهم الأوّل منها والأثناء والآخر.
ولما أمر الله تعالى نبيه بالاستعاذة مما تقدّم أمره أن يستعيذ من شر الوسواس بقوله تعالى :
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))
(قُلْ ،) أي : يا أشرف المرسلين (أَعُوذُ ،) أي : أعتصم والتجئ (بِرَبِّ ،) أي : مالك وخالق (النَّاسِ) وخصهم بالذكر وإن كان رب جميع المحدثات لأمرين : أحدهما : أنّ الناس يعظمون فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا. الثاني : أنه أمر بالاستعاذة من شرهم فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم. قال الملوي : والرب من له ملك الرق ، وجلب الخيرات من السماء والأرض وإنقاذها ، ودفع الشرور ورفعها ، والنقل من النقص إلى الكمال ، والتدبير العام العائد بالحفظ والتتميم على المربوب.
وقوله تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) إشارة إلى أنّ له كمال التصرف ونفوذ القدرة ، وتمام السلطان فإليه الفزع ، وهو المستغاث والملجأ والمنجى والمعاد. وقوله تعالى : (إِلهِ النَّاسِ) إشارة إلى أنه تعالى كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في ألوهيته أحد ، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى ، فإنّ الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة الذي هو بمعنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال. والملك هو الآمر والناهي المعز المذل إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال ، وأمّا الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ، ونعوت الجلال فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى ، ولتضمنها لجميع معاني الأسماء الحسنى كان المستعيذ جديرا بأن يعاذ ، وقد يوقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الواحدانية لأنّ من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة علم أنّ له مربيا ، فإذا درج في العروج في درج معارفه سبحانه علم أنه غني عن الكل والكل إليه محتاج ، وعن أمره تعالى تجري أمورهم فيعلم أنه ملكهم ، ثم