أي : والحال أنه في حال إلقائه (شَهِيدٌ) أي : حاضر بكليته فهو في غاية ما يكون من تصويب الفكر وجمع الخاطر فلا يغيب عنه شيء مما تلي عليه وألقي إليه فيتذكر.
وعطف على قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا) أي بما لنا من العظمة التي لا يقدر قدرها ولا يطاق حصرها (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : على ما هما عليه من الكبر وكثرة المنافع (وَما بَيْنَهُما) من الأمور التي لا ينتظم الأمر على قاعدة الأسباب والمسببات بدونها (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الأرض في يومين. ومنافعها في يومين والسموات في يومين ولو شاء لكان ذلك في أقل من لمح البصر ولكنه تعالى سنّ لنا التأنّي بذلك (وَما مَسَّنا) لأجل ما لنا من العظمة أدنى مس. وعمم في النفي فقال تعالى : (مِنْ لُغُوبٍ) أي : إعياء فإنه لو كان لاقتضى ضعفا فاقتضى فسادا فكان من ذلك شيء على غير ما أردناه فكأن تصرفنا فيه غير تصرفنا في الباقي وأنتم تشاهدون الأمر في الكل على حد سواء من نفوذ الأمر وتمام التصرّف.
(فَاصْبِرْ) يا أشرف الخلق (عَلى ما يَقُولُونَ) أي : اليهود وغيرهم من إنكار البعث والتشبيه وغير ذلك فإنّ من قدر على خلق العالم بلا إعياء قدر على البعث وغيره (وَسَبِّحْ) أي : أوقع التنزيه عن كل شائبة نقص ملتبسا (بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي : بإثبات الإحاطة بجميع صفات الكمال للسيد المدبر المحسن إليك بجميع هذه البراهين التي خصك بها مفضلا لك على جميع الخلق وقوله تعالى : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) إشارة إلى طرفي النهار.
وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) إشارة إلى زلفى من الليل وتقريره أنه صلىاللهعليهوسلم كان مشتغلا بأمرين أحدهما عبادة الله تعالى والثاني هداية الخلق فإذا لم يهتدوا قيل له أقبل على شغلك الآخر وهو العبادة قبل الطلوع وقبل الغروب ، لأنهما وقتا اجتماعهم ويكون المراد بقوله تعالى : ومن الليل أوّله لأنه أيضا وقت اجتماعهم وقال أكثر المفسرين قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) التنقل بعد المكتوبات وقيل : الوتر بعد العشاء وقال مجاهد ومن الليل : يعني صلاة الليل أيّ وقت صلى. وقرأ نافع وابن كثير وحمزة بكسر الهمزة على أنه مصدر قام مقام ظرف الزمان كقولهم آتيك خفوق النجم وخلافة الحجاج ومعنى وقت إدبار الصلاة أي انقضائها وتمامها والباقون بالفتح جمع دبر وهو آخر الليل وعقبها ومنه قول أوس (١) :
على دبر الشهر الحرام بأرضنا |
|
وما حولها جدّت سنون تلمع |
ولم يختلفوا في وأدبار النجوم وقوله تعالى : وأدبار معطوف إما على قبل الغروب وإما على ومن الليل وقال عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما : أدبار السجود الركعتان بعد صلاة المغرب وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر وهي رواية العوفيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما وروي عنه مرفوعا. قال البغوي : هذا قول أكثر المفسرين عن عائشة رضي الله عنها قالت : «ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين أمام الصبح» (٢) وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» (٣) يعني بذلك سنة الفجر
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح المفصل ٢ / ٤٥ ، وهو ليس في ديوان أوس بن حجر.
(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٧٢٤ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٢٥٤.
(٣) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٧٢٥ ، والترمذي حديث ٤١٦ ، والنسائي في قيام الليل باب ٥٦.