من موجبات الإيمان ولوازمه ، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر. ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم ، وأن عاقبته أحسن عاقبة. انتهى.
وقال في «فتح القدير» (١) : قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ، فيه دليل على أن هذا الردّ متحتم على المتنازعين ، وأنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر ، والإشارة بقوله (ذلِكَ) إلى الرد المأمور به (خَيْرٌ) لكم (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)) : أي مرجعا ، من الأول آل يؤول إلى كذا : أي صار إليه. والمعنى أن ذلك [الردّ] (٢) خير لكم وأحسن مرجعا ترجعون إليه.
ويجوز أن يكون المعنى أن الردّ أحسن تأويلا من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع. انتهى.
وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الاتباع وأصل من أصول رد التقليد ؛ ولذلك احتج بها جمع من السلف والخلف على ذلك ، والكلام فيها يطول تركناه خشية الإطالة ، ومن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى أمثال كتاب «أعلام الموقعين» وغيره يتضح له الحق من الباطل ، وبالله التوفيق.
[الآية الثامنة عشرة]
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً (٨٣)).
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) أذاع الشيء وأذاع به : إذ أفشاه وأظهره ، وهؤلاء هم جماعة من ضعفاء المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئا من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم. أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم أفشوه وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم. (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) : أي يستخرجونه بتدبرهم وصحة عقولهم.
__________________
(١) فتح القدير [١ / ٤٨١].
(٢) ما بين المعكوفين من فتح القدير [١ / ٤٨١].