والمعنى : أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الذي يذيعها أو يكون أولو الأمر منهم هم الذين يتولون (١) ذلك لأنهم يعلمون بما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يكتم ، لكان أحسن.
والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء : إذا استخرجته. والنبط الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر عند حفرها ، وقيل : إن هؤلاء الضعفة كانوا يسمعون إرجافات المنافقين على المسلمين فيذيعونها فتحصل بذلك المفسدة. أخرج عبد بن حميد ومسلم وابن أبي حاتم من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : لما اعتزل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نساءه قمت على باب المسجد فوجدت الناس ينكتون بالحصا يقولون : طلق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نساءه ؛ فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق نساءه ؛ ونزلت هذه الآية. فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر (٢).
[الآية التاسعة عشرة]
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦)).
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) : التحية تفعلة من حييت وأصلها الدعاء بالحياة ، والتحية السلام وهذا المعنى هو المراد هنا ، ومثله قوله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) [المجادلة : ٨] ، وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين.
وروي عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس.
وقال أصحاب أبي حنيفة : التحية هنا الهدية لقوله تعالى : (أَوْ رُدُّوها) ، ولا يمكن ردّ السلام بعينه ، وهذا فاسد لا ينبغي الالتفات إليه.
والمراد بقوله : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحية ، فإذا قال المبتدئ : السلام عليكم قال المجيب : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا زاد المبتدئ لفظا زاد المجيب على جملة ما جاء به المبتدئ لفظا أو ألفاظا نحو :
__________________
(١) جاء في المطبوع [يقولون] والتصحيح من فتح القدير [١ / ٤٩١].
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ح [١٤٧٩] وعبد بن حميد وابن أبي حاتم كما في فتح القدير [١ / ٤٩١].