مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)).
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) : هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم ، كقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣] ، ولو كان هذا النفي على معناه ، لكان خبرا وهو يستلزم صدقه ، فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنا قط.
(أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً). وقيل : المعنى ما كان له ذلك في عهد الله ، وقيل : ما كان له ذلك فيما سلف ، كما ليس له الآن بوجه.
ثم استثنى منه استثناء منقطعا فقال : (إِلَّا خَطَأً) : أي ما كان له أنه يقتله البتة ، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا. هذا قول سيبويه والزجاج.
وقيل : هو استثناء متصل ، والمعنى : ما ثبت ، ولا وجد ، ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ، إذ هو مغلوب حينئذ. وقيل : المعنى ولا خطأ (١).
قال النحاس : ولا يعرف ذلك في كلام العرب ، ولا يصح في المعنى ؛ لأن الخطأ لا [يحظر] (٢) ، وقيل : المعنى : لا ينبغي أن يقتله لعلّة من العلل إلا بالخطأ وحده ، فيكون قوله : (خَطَأً) منتصبا بأنه مفعول له ، ويجوز أن ينتصب على الحال. والتقدير لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ، أي إلا قتلا خطأ.
ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد ، والخطأ اسم من أخطأ خطأ إذا لم يتعمد (٣).
(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) بأن قصد رمي صيد مثلا ، فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا ، كذا قيل.
(فَتَحْرِيرُ) : أي : فعليه تحرير.
__________________
(١) انظر : فتح القدير للشوكاني (١ / ٤٩٧).
وقد قال الزجاج : «ما كان لمؤمن البتة ، و «إلا خطأ» استثناء ليس من الأول ...» وينظر : معاني الزجاج (٢ / ٩٧) ، والطبري (٥ / ١٢٨) ، والنكت للماوردي (١ / ٤١٤) ، وزاد المسير لابن الجوزي (٢ / ١٦٢) ، والقرطبي (٥ / ٣١٢).
(٢) حرّف في «المطبوعة» إلى (يحصر) وهو خطأ ، وصوبناه من فتح القدير للشوكاني (١ / ٤٩٧).
(٣) انظر : الصحاح واللسان (خطأ).