والضمير في (كان) من قوله : (كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)) يرجع إلى كل ، وكذا الضمير في عنه.
ومعنى سؤال هذه الجوارح : أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات ، والمستعمل هو الروح الإنساني ، فإن استعملها في الخير استحق الثواب وإن استعملها في الشر استحق العقاب.
وقيل : إن الله سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها.
[الآية الرابعة]
(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧)).
(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : المرح قيل : هو شدة الفرح.
وقيل : التكبر في المشي. وقيل : تجاوز الإنسان قدره. وقيل : الخيلاء في المشي. وقيل : البطر والأشر. وقيل : النشاط. والظاهر أن المراد به الخيلاء والفخر.
قال الزجاج في تفسير الآية : لا تمش في الأرض مختالا فخورا.
وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلا عليها أو على ما هو معتمد عليها ، تأكيدا وتقريرا.
ولقد أحسن من قال :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا |
|
فكم تحتها قوم هم منك أرفع |
وإن كنت في عزّ وحرز ومنعة |
|
فكم مات من قوم هم منك أمنع |
والمرح مصدر وقع حالا ، أي : ذا مرح. وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد. وقرأ الجمهور مرحا بفتح الراء. وحكى يعقوب عن جماعة كسرها ، على أنه اسم فاعل (١).
__________________
(١) انظر : زاد المسير (٥ / ٣٤) ، والقرطبي (١٠ / ٢٥٧) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٢).