بلغات العرب» (١).
وقال الإمام مالك : «لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا» (٢).
من هنا أقول : إن العلم الواسع باللغة شرط أساسي ، ولا يكفي الإلمام اليسير بها ، فقد يكون اللفظ مشتركا فيجب على المفسر أن يوجه اللفظ إلى المعنى الذي يفهمه في الآية ، وهذا التعمق في إدراك اللغة كان من جملة الأسباب التي مكنت ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن يكون «حبر القرآن» ورأس المدرسة المكية التي هي أعظم مدارس التفسير في كل زمان ومكان.
٢ ـ النحو : لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب فلا بد من وضعه في الحسبان ، ولا بدّ من الاعتماد عليه قبل البيان.
ومن لم يعرف النحو فإنه قد يقع في أخطاء فاحشة ، ذلك مثل الرجل الذي قرأ قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] بجر كلمة «رسوله» ـ الأخيرة ـ ، فكان المفهوم من قراءته تلك أن الله بريء من المشركين ومن رسوله أيضا ، حاشا لله!! فكاد أن يقع هذا الرجل في الكفر وهو لا يدري ، فكان ذلك من جملة الأسباب الحاملة على وضع علم النحو.
٣ ـ علم التصريف : لأن به تعرف أبنية الكلمات والصيغ وألوان التصاريف.
٤ ـ علم الاشتقاق : وهو داخل في علم اللغة والتصريف ، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما ، كالمسيح : أهو من السياحة أو المسح ، فمن الأول سمي المسيح مسيحا لكثرة سياحته ، وأما من الثاني : فلأنه حسب المأثور من القول وإخبار الله عنه في القرآن ، كان لا يمسح على ذي عاهة إلا شفي بإذن الله تعالى.
٥ ـ علوم المعاني والبيان والبديع : وهو علم البلاغة المشهور ، ويعتني بخواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعاني ، من خلال نظم المباني ، وخواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها ، وبوجوه تحسين الكلام. وهذه العلوم الثلاثة هي من أعظم أدوات المفسر ، بل إنها أجل الأدوات لأن ما سبق من العلوم يدخل تحتها.
وقال الزمخشري : «من حق مفسر كتاب الله الباهر ، وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاء
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) انظر : البرهان في علوم القرآن (/ ١٦٠) ، ورواه البيهقي عن مالك كما في الإتقان (٢ / ٤٧٤).